منذ ندوتها الصحافية المنظمة بالعاصمة الرباط في 28 فبراير الماضي، شرعت فعاليات مدنية وهيئات جمعوية وازنة، يتقدمها “الائتلاف المدني من أجل الجبل”، في حشد الجهود وتسريع الخطوات بهدف جمع 20 ألف توقيع لمواطنين ومواطنات على ملتمس تشريعي “من أجل اعتماد إطار قانوني خاص بالمناطق الجبلية”، و”إصدار قانون الجبل”.
وفي سياق ذي صلة، علمت هسبريس أن الائتلاف يعكف، ضمن جهوده الموازية، على “إعداد عريضة قانونية (مذكرة) سيتم توجيهها إلى رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب لمساءلة السياسات العمومية التنموية حول الجبل بالمغرب”.
الملتمس يدعو رئيس مجلس النواب إلى “العمل على إصدار “قانون الجبل” كضرورة تشريعية لخلق التنمية المنشودة، وتوفير العيش الكريم للمواطنات والمواطنين، وحماية الجبل وموارده خدمة لمصلحة الوطن”.
الدواعي والسياق
أوضحت نسخة من نص الملتمس، الذي من المرتقب إيداعه لدى مكتب رئاسة مجلس النواب، بعد استكمال مساره الترافعي، أنه “اعتباراً لخصوصية وأهمية المناطق الجبلية بالمغرب، ليس فقط ككتل مادية، بل كرموز وطنية تشكلت حولها عناصر عديدة من التاريخ والهوية المغربية، تؤدي أدوارا اقتصادية وبيئية وثقافية”، و”بالنظر إلى ثنائية الغنى في الموارد والعجز في التنمية التي لازمتها طوال عقود، أدرك عدد من الفاعلين المدنيين والسياسيين أهمية المدخل التشريعي من خلال اعتماد قانون خاص بالجبل كفيل بتحديد الضوابط والمسؤوليات للاستجابة لمتطلبات التنمية المندمجة والعادلة للمناطق الجبلية ومنسجمة مع أسلوب الإدارة اللامركزية وتفعيل الجهوية المتقدمة المنشودة”.
وحسب اللجنة التي قدمت الملتمس (تتوفر هسبريس على نسخته)، فإن من الأسباب الداعية إليه “تزايدُ الاهتمام الدولي بضرورة حماية الجبال نظرا لكون الجبال مصدر وفير للموارد الحيوية من مياه وتنوع بيولوجي وتأثيرها على المناخ والتوازنات البيئية، وفي نفس الوقت طبيعتها الهشة لما تتعرض له هذه الموارد من تهديد بفعل الاستنزاف، إضافة إلى التغييرات المناخية والكوارث الطبيعية وتدهور الغابات”.
مستندات دستورية والتزامات دولية
يستند هذا المطلب التشريعي على “المقتضيات الدستورية والالتزامات الدولية للمغرب”، يؤكد واضعوه، لافتين الانتباه إلى “الطموح الذي تعلنه سياسات الدولة في مجال تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان تكافؤ الفرص والولوج للحقوق والخدمات الأساسية للجميع في كافة ربوع الوطن”.
وأوضح وكيل لجنة تقديم الملتمس، محمد الديش، في تصريح لهسبريس، أن “من شأن اعتماد هذا القانون أن يكرس إرادة الدولة في تدبير أفضل للتنمية المتوازنة وفق التوجهات المجالية، التي نص عليها الميثاق الوطني لإعداد التراب، وتم تحيينها في وثيقة النموذج التنموي ومختلف الاستراتيجيات الوطنية المعتمدة”.
كما تتأكد راهنية هذا القانون، وفق الفاعل المدني ذاته، عبر “الحاجة إلى آلية تشريعية تؤطر وضع السياسات العمومية وتنفيذها في برامج وطنية مندمجة تلائم الخصوصيات المجالية للجبل”، مشددا على ضرورة أن “تستجيب بشكل ناجع لمتطلبات التنمية المستدامة للمناطق الجبلية وساكنتها، وتتدارك العجز التنموي المسجل اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وثقافياً”.
“ننتظر من هذا القانون أن يكون أداة تؤطر نهج سياسة التنمية المتكاملة الكفيلة بإخراج ساكنة المناطق الجبلية من مظاهر الفقر والأمية والعزلة وضعف التمتع بحقوقها الأساسية، وتحافظ على مختلف الموارد الطبيعية والثروات التي تزخر بها المجالات الجبلية من التدهور والاستنزاف، وتنظم توزيع عائداتها التنموية بشكل عادل ينصف القيمة الحقيقية لمساهمة المناطق الجبلية في الاقتصاد الوطني”. يقول الديش.
وتستلزم التنمية المنشودة، يتابع المصدر ذاته، “اعتماد سياسات عمومية متماسكة تنبني على رؤية مندمجة بين كل القطاعات، وعلى التنسيق والتكامل في أشكال المعالجة والتدخل عوض المشاريع والبرامج المتفرقة التي تنقصها الالتقائية وفعالية الأثر”.
الأهداف المتوخاة
يسعى واضعو الملتمس، وفق الوثيقة التي حصلت عليها هسبريس، إلى “تعزيز المنظومة التشريعية المؤطرة لتنمية ترابية ضامنة للخصوصية المجالية للجبال بما يترتب عنها من ملاءمة أو تحيين القوانين والضوابط الحالية”، عبر “توفير إطار تشريعي يكرس البرامج المعتمدة في حماية الجبل وتنميته، ويؤسس لإستراتيجيات تضمن تنمية مندمجة ومستدامة للجبل، ويساعد على حماية التوازنات البيئية والمواقع والمشاهد، وفي نفس الوقت يساعد على معالجة إشكالات الجغرافيا البشرية”.
“سن قواعد ملزمة لصياغة سياسات عمومية تحقق العدالة والإنصاف، وتحد من الفوارق المجالية التي تعاني منها المناطق الجبلية، وتيسّر الولوج للحقوق والخدمات والاستفادة من الثروات الوطنية على قدم المساواة”، هدف آخر يبتغيه “حُماة الجبل” في دينامية ترافعهم.
كما يرمون إلى “مرجعية تسهل منطق الاستهداف والتخطيط الترابي لتحديد الجماعات الترابية الجبلية وفق تعريف موحد لمفهوم الجبل”، داعين إلى “تشكيل هيئة وطنية عليا ذات طبيعة تشاركية تعنى بحماية وتنمية الجبل وتحرص على احترام السياسات العمومية لمبدأ العدل والإنصاف في التنمية الترابية والاستثمار العمومي”.
ويُعقد رهان كبير على التشريع للجبال قصد “ابتكار حلول لمضاعفة المجهود التمويلي المطلوب، ووضع ضوابط للقوانين المالية ومختلف آليات الميزانية تجعل الجبل ضمن أولوياتها”، مع “تسهيل ممارسة المسؤوليات الجديدة من قبل السلطات العمومية والمجالس المنتخبة كمؤسسات للقرب في تخطيط وتنفيذ سياسة تلائم المناطق الجبلية”.
مبادرة مدنية تشاركية
هذا الملتمس يأتي “تفعيلا لمبدأ المشاركة المواطنة كمبادرة مدنية تراهن على اختيار الديمقراطية التشاركية، وتأمل في التفاعل الإيجابي من مجلسكم الموقر معها بالعمل على اتخاذ التدابير التي ترونها كفيلة بإصدار قانون في مستوى شموخ مغرب الجبال”، يخلص المصدر ذاته مخاطباً رئيس مجلس النواب.
الديش سجل “انطلاقة مشجّعة لحملة التوقيعات، رغم إمكانياتنا المحدودة جدا وصعوبات استعمال البوابة الإلكترونية لتقديم الملتمسات. نتمنى أن نتمكن لاحقا من تلقي التوقيعات إلكترونيا، فهذا سيسَهّل علينا العملية، فيما نعتمد حالياً التوقيعات المادية/ الورقية”.
وختم قائلا: “لجنة الملتمس تتشكل من ممثلين عن 6 جهات بالمملكة وتتمركز في عدد من الأقاليم. نعوّل على تعبئة قوية وتعاطف كبير مع هذه المبادرة وقضية الجبال بشكل عام بعد رصدنا تطوع عدد من المواطنين”.
المصدر: وكالات