تعود الحياة إلى سفارة المملكة المغربية في باريس، بعد غياب طال لشهور، بتعيين الصحافية سميرة سيطايل من قبل العاهل المغربي، في “خطوة تقارب جديدة قد تمسح آثار خطوات تباعد عميقة”، فيما يغادر يوسف العمراني جنوب إفريقيا “المعادية” إلى واشنطن.
سيطايل التي ترعرعت في الديار الفرنسية ودرست هناك قبل العودة إلى المغرب لتكون الرقم الثاني في قناة “دوزيم”، تحصل اليوم على أعلى منصب في تمثيلية المملكة المغربية في فرنسا، وأكثر المراكز “حساسية” في ظل أجواء “متشعبة” بين الرباط وباريس.
إعادة الحياة إلى سفارة الرباط في باريس ترافقها مؤشرات أخرى لعودة الأوكسجين إلى علاقات المملكة المغربية وفرنسا، أبرزها استقبال سفير الإيليزيه بالمغرب من قبل العاهل المغربي، وزيارة ملحقين عسكريين بسفارة باريس إلى العيون، فيما يرى مراقبون أن “العلاقات لم تتنفس بعد في ظل استمرار التعنت الفرنسي تجاه قضية الصحراء المغربية”.
وتبدو العلاقات المغربية الفرنسية تسير في اتجاه “نفق تهدئة الأوضاع”، على الرغم من أن حضور صحافية بدون تكوين ديبلوماسي على رأس التمثيل المغربي بفرنسا، “يثير الكثير من التساؤلات” حول ما إن كانت سيطايل رسالة واستراتيجية أخرى من المغرب إلى فرنسا، خاصة بعد بروز نجمها خلال مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية تنتقد فيها التطرق لموضوع رفض المغرب لمساعدات ماكرون إبان زلزال الحوز.
التساؤلات تنطبق أيضا على تعيين يوسف العمراني سفيرا لدى واشنطن، ومغادرته جنوب إفريقيا، بعد قضية “البريكس”، التي حاولت فيها بريتوريا جر المغرب للجلوس بقرب كرسي غالي.
غياب المؤشرات الإيجابية
مصطفى كرين، محلل سياسي، يرى أن “سيطايل كانت دائما مقربة من دوائر القرار، وأن هذا التعيين غير مفاجئ اعتبارا للمقاييس المعتمدة عادة في مثل هذه التعيينات”.
وقال كرين لهسبريس إن “تعيين أو تغيير سفير بلد ما لدى بلد آخر، ما هو إلا لغة دبلوماسية ترسل إشارة على تدشين مرحلة جديدة في العلاقات، ولا يعني ذلك دائما تحسنا في العلاقات، بل قد يعني تخفيضا لمستواها، وبالنسبة لتعيين سيطايل في منصب سفير المغرب في فرنسا، لا أعتبره شخصيا إشارة إلى تحسن العلاقات، بقدر ما أعتبره تعديلا وتغييرا لمنهجية التعاطي المغربي مع الحكومة الفرنسية”.
وأضاف المحلل السياسي ذاته أن “من المرجح أن يكون المغرب بهذا التعيين بصدد نهج تصعيدي جوابا على التعامل الإعلامي الذي تنتهجه فرنسا في مقاربتها لقضايا المغرب، ولا أدل على ذلك من الطريقة التي باشرت بها الصحافة الفرنسية تغطيتها للزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، وكذلك بعض القضايا التي تتعلق بالقصر وبشخص الملك”.
وتوقع المتحدث عينه أن “تنصب مهمة السفيرة سيطايل على بلورة استراتيجية إعلامية مضادة وتكوين لوبي إعلامي فرنسي موال لقضايا المغرب الحيوية، وهذه مهمة أتفهم جيدا أن يعهد بها المغرب لشخصية مقربة تحظى بالثقة وذات تجربة في المجال”.
تغيير صورة المغرب
التدخل الإعلامي لسيطايل في القنوات الفرنسية كان هو سبب تعيينها على رأس الديبلوماسية المغربية بباريس، بحسب عمر لمرابط، خبير سياسي نائب عمدة سابق بفرنسا.
وقال لمرابط، ضمن تصريح لهسبريس، إنه بعد “تدخلات سيطايل ودفاعها عن اسم المملكة أمام الحملة الإعلامية الفرنسية، كان تعيينها سفيرة للمملكة كنوع من رد الاعتبار والشكر، وكذا في إطار جهود تغيير صورة المملكة في عقول الفرنسيين والإعلام هناك”.
وأردف المتحدث ذاته بأن “المغرب وفرنسا لا يريدان الوصول إلى حد القطيعة، بحيث إن العلاقات بين الطرفين مستمرة، ولا بد من سفير ليقضي مصالح الجالية المغربية”، مبينا أن “عودة العلاقات لا تأتي بتعيين السفير، بل فقط من أجل التخفيف من حدة التوتر الحاصل، كما أنه بعد استقبال سفير فرنسا، كان لا بد من تعيين سفير المغرب بباريس”.
وخلص الخبير السياسي ذاته إلى أن “عودة العلاقات ممكنة، لكن في ظل حكومة ماكرون لن يكون هنالك تغيير حقيقي حتى لو تم تجاوز الأزمة، التي كما نعلم جميعا عندما ترحل تترك آثارها إلى الأبد”.
رسالة إلى جنوب إفريقيا
فيما يتعلق بجنوب إفريقيا التي غادرها السفير العمراني نحو واشنطن، يرى محمد نشطاوي، خبير في العلاقات الدولية، أن “هاته الخطوة يستوجب أن تقرأها بريتوريا بعناية تامة”.
وقال نشطاوي لهسبريس إن “بقاء منصب السفير شاغرا له أكثر من دلالة سياسية، خاصة وأن حكومة جنوب إفريقيا مستمرة رغم سياسة اليد الممدودة المغربية في عدائها تجاه المغرب ووحدته الترابية”.
وأشار المتحدث عينه إلى أن “المغرب تاريخيا كان داعما لاستقلال جنوب إفريقيا، لكن الزمن جعل من هذا البلد بفعل الفكر الانفصالي يكرس جهوده الديبلوماسية في إطار تحالف مع الجزائر فقط من أجل معاكسة المملكة”.
“إذا كانت الجزائر من خلال ديبلوماسيتها المعادية للمغرب تسعى لتزعم المنطقة، فإن جنوب إفريقيا ترى المملكة خطرا على زعامتها الاقتصادية بالقارة السمراء، بعيدا عن شعارات تقرير المصير”، يقول الخبير في العلاقات الدولية.
وخلص نشطاوي إلى أن “المملكة ستراقب رد فعل جنوب إفريقيا، ومن خلال ذلك ستبني قرارها في مسألة شغور منصب السفير”.
المصدر: وكالات