على إيقاع حرب إسرائيلية على قطاع غزة ظلت ترتفع حصيلتها البشرية والمادية الثقيلة يوما بعض يوم، أبى المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، إلا أن يواصل خلال السنة المشرفة على نهايتها دعمه الثابت والراسخ للشعب الفلسطيني، سواء بالبقعة الفلسطينية المحاصرة، أو بالضفة الغربية التي ارتفعت فيها بدورها اعتداءات المستوطنين ووتيرة الاستيطان، من خلال مبادرات سياسية ودبلوماسية وإنسانية، متفردة واستثنائية، تمسك خلالها برؤيته الواقعية لإقرار سلام مستدام لا هش يوقف الحرب ولا يحد من احتمالات تجددها.
دافع المغرب خلال سنة 2024 عن الأولويات الخمس الملحة للوصول إلى تهدئة شاملة وحقن دماء الأبرياء التي ضمنها الملك محمد السادس رسالته إلى القمة العربية الاستثنائية بالرياض المنعقدة في نونبر 2011، وكانت البداية من اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في 5 مارس 2024، إذ حرص وزير الخارجية ناصر بوريطة على الربط بين إنهاء “الأحداث الدامية” و”المآسي الإنسانية” التي يروح ضحيتها فلسطينيو غزة جراء التصعيد العسكري والعقاب الجماعي الممنهج، وبين تطبيق هذه الأولويات.
وشملت كما ذكر بها بوريطة، أساسا، الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، وحماية المدنيين ومنع استهدافهم، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية بانسيابية وبكميات كافية إلى الفلسطينيين، والإبقاء-بل وتعزيز دور الاونروا، ورفض التهجير، والشروع في مفاوضات جادة وهادفة لإحياء العملية السلمية من أجل تحقيق حل الدولتين.
دعم إنساني متفرد
نحو أسبوع على انعقاد القمة، ووسط اشتداد وتيرة تجويع المدنيين الفلسطينيين، خصوصا في شمال قطاع غزة، سيرسل المغرب، بتعليمات من الملك محمد السادس، في 13 مارس، نحو 40 طنا من المساعدات الغذائية إلى البقعة الفلسطينية، تكفل عاهل البلاد من ماله الخاص بجزء كبير منها، مع إيعازه لوكالة بيت مال القدس بتوزيع 1000 سلة غذائية على المقدسيين.
هذه المساعدات الموجهة لقطاع غزة كانت الأولى من نوعها التي تمر عبر طريق بري غير مسبوق، إذ وصلت المعنيين عبر معبر كرم أبوسالم، ما أكد تفرد الدعم المغربي للقطاع “حيث فشلت مجموعة من الدول، وبعضها عظمى، في إيصال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض للإبادة، برا حينها”، وفقا لمحمد عصام العروسي، المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية بالرباط.
واستحضر العروسي، في تصريح لهسبريس، أن “المساعدات المقدمة من قبل المغرب هي غذائية وطبية وأدوية كان الشعب الفلسطيني في أمس الحاجة إليها وما يزال، نظرا لأن الحرب دمرت غالبية المستشفيات والمنشآت الصحية بالقطاع، واغتالت عددا من الأطقم الطبية”، مؤكدا أن “المساعدات كانت تصطف لشهور في معبر رفح إلى أن تفقد جودتها وقيمتها الغذائية وتنتهي مدة صلاحيتها”، ما دفع المغرب إلى إرسال حزمة ثانية من المساعدات إلى غزة عبر الطريق ذاته في 24 يونيو الماضي.
مقاربة شمولية
وفي خطوة تكرس ثبات الموقف المغربي بشأن القضية الفلسطينية وأولويتها بالنسبة للمملكة، خصص الملك محمد السادس جزءا مهما من خطابه في عيد العرش للتأكيد على دعمه للمبادرات البناءة لوقف عاجل لإطلاق النار، غير أنه شدد على ضرورة أن يتم بالموازاة مع ” فتح أفق سياسي، كفيل بإقرار سلام عادل ودائم في المنطقة”، مؤكدا أهمية “قطع الطريق على المتطرفين من أي جهة كانوا” لأجل وضع الأسس لإحياء مفاوضات السلام على أساس حل الدولتين.
هذه المقاربة الشاملة للملك محمد السادس لإنهاء الحرب على قطاع غزة، وطي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل نهائي، أعاد التأكيد عليها في رسالته الموجهة يوم 27 نونبر الماضي، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، إلى رئيس اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف.
فبعد تشديده على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف الحرب وإلزام إسرائيل بكسر الحصار والسماح بعودة النازحين، جدد الملك دعوته الدول الوازنة والمؤثرة في الصراع إلى إطلاق جهود دبلوماسية مكثفة “بدينامية جديدة وفعالة، لإعادة كافة الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات، في أفق التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية، وبناء مستقبل مشترك للأجيال الفلسطينية والإسرائيلية القادمة، في إطار حل الدولتين”.
وأكد محمد عصام العروسي أن المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، أصر خلال هذه السنة على “أهمية تطوير المفاوضات للوصول إلى حل نهائي ودائم في غزة”، مبرزا أن “المغرب كما حضر من الناحية الإنسانية في دعم الفلسطينيين، عمل على تبني مقاربة دبلوماسية تؤكد على ضرورة تطبيق على الدولتين، وعلى الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية”.
وأوضح العروسي لهسبريس أن “المغرب شدد في هذا الصدد على وقف الاستيطان، وتفعيل حق العودة للفلسطينيين على أساس القرارات الأممية ذات الصلة الصادرة منذ سنة 1967″، مبرزا أن “حصيلته الاستثنائية في دعم القضية الفلسطينية هذه السنة كانت قوية من الناحية الدبلوماسية والقانونية كما الإنسانية”، مستحضرا من جهة أخرى أن “التوافقات مع إسرائيل أوقفها المغرب بشكل كبير إلى حين إثبات الدولة العبرية حسن النوايا وإنهائها لهذه الحرب المدمرة على قطاع غزة”.
على صعيد متصل، واصل المغرب من خلال وكالة بيت مال القدس الشريف دعم صمود المقدسيين وتحسين جودة حياتهم وكذا المحافظة على الهوية التاريخية والحضارية للقدس، إذ قامت الوكالة، خلال سنة 2024، وفق تقريرها السنوي، بتنفيذ مشاريع بقيمة فاقت 4,2 مليون دولار أمريكي.
موقف راسخ
محمد بنطلحة الدكالي، محلل سياسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أكد في تقييمه لحصيلة الدعم المغربي للقضية الفلسطينية في سنة 2024، أن “هذا الدعم الراسخ واللا مشروط تكرس من خلال مساعدات إنسانية غذائية وطبية للغزيين بدعوة ومساهمة من الملك، رئيس لجنة القدس، وكذا من خلال نداءات متواترة لمختلف الجهات المعنية لوقف الحرب في قطاع غزة”.
وقال الدكالي، في تصريح لهسبريس، إن “المغرب لم يرفق جميع الخطوات التي اتخذها لنصرة الفلسطينيين خلال سنة 2024 بأي مزايدات سياسية أو إيديولوجية، مثلما كان دأبه منذ نيله الاستقلال”.
وتفاعلا مع ملاحظة هسبريس بشأن تمسك الملك محمد السادس، سواء خلال خطابه في عيد العرش أو في رسالته الموجهة إلى رئيس اللجنة الأممية سالفة الذكر، بالربط بين إنهاء الحرب على غزة وإحياء المفاوضات للدفع بمسار السلام، ذكر المصرح ذاته أن “المغرب بما أنه بلد يغلب ثقافة الحوار والهدوء الدبلوماسي والواقعية السياسية، مصر على الانتقال بالأراضي الفلسطينية إلى سلام مستدام غير هش، من خلال حل واقعي وبراغماتي، هو حل الدولتين”.
وشدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش على أن “المملكة المغربية التزمت هذه السنة، كما منذ عقود، بالترافع في المنتديات والمحافل الدولية عن حل سلمي عادل للقضية الفلسطينية”، مؤكدا أن “مقاربتها في هذا الشأن تنبني على استبعاد الخطابات الشعبوية والسياسوية التي لا تجدي نفعا البتة”.
المصدر: وكالات