كثر صناع المحتوى المبثوث على مدار الساعة.
مبروك.
أي محتوى؟..ما هي مادته الخام؟ هل هي علم الاجتماع؟ هل هي الأفلام والكتب؟ هل هي الوشاية والنميمة والتنمر؟.
يعرض هذا المحتوى المصور أشخاصا يأكلون ويتحدثون ويصورون ويعرضون ويتلصصون على حياة الآخرين وينشرون حياتهم الخاصة دون إذنهم.
المحتوى هو فيديوهات أشخاص يرقصون بلباس معين. هنا تتفوق “البنات العريضات” (حسب الأغنية نبغي لعريضة لي كرشها داخلة) في الحصول على متابعة مدرة للمال والمعجبين؛ وفي هذه الحالة توضع الكاميرا على علو ثمانين سنتيمترا ليتساوى علوها مع علو الردفين.
تصوّر البنات أنفسهن بحثا عن النجومية مثل نجومية ملكة جمال تصير مغنية مشهورة في يوم واحد. والنجومية هنا لا ترتبط بإنجاز معين، بل تنحصر في الشكل فقط، شرط تكييفه باستمرار ليتلاءم مع معايير الموضة.
يتلاءم هذا التصور مع ثقافة الصورة التي تهيمن في بداية القرن الواحد والعشرين. فما عاد للمتلقي وقت للتأمل والبحث وتتبع الكتابة الخطية، يريد الحصول على طلبه دفعة واحدة، مثل “فاست فود”، والصورة تقدم له ما يطلب… تقدم الشكل الجميل للعين. حسب دافينشي “فالعين فور فتحها ترى نجوم نصف الكرة الأرضية برمتها” (دافينشي الأعمال الأدبية ص8).
ومن يرى بالعين يُتابع كثيرا يفسر ذلك على أنه علامة على الذكاء والتفوق والنجاح… ليس في الإنجاز بل في إلهاب الأحاسيس… في الإغواء.. في افتعال كاريزما بتدخل مبضع جراح التجميل في مختلف أجزاء الجسد. لم يعد الجراح يعمل على الأنوف فقط؛ يعمل حتى على الردفين البارزين.
وظيفة اللباس هي أن يعصر زوايا معينة من الجسد، ومن الأساس أن يبز الردفين وحجم النهدين وسعة المساحة بينهما… لأن الصدر هو الهدف الثاني للعملية الجنسية، وهذه غواية فادحة.
لا يعد عرض روتين الغريزة مثل الأكل والنوم والملل محتوى. إن تعرية الذات والأنا وعرْضها ليس مضمونا معرفيا. يقول المخرج مارتن سكورسيزي:
“من العار عليهم جعل الشباب يفهمون أن هذا الشيء (المحتوى) شكل من أشكال الفن”.
إن صناعة المحتوى ثقافة وفن، فكيف صار بإمكان أي كان أن يفرز محتوى؟.
ما هي الإيديولوجية التي تهيمن على الأجيال الصاعدة؟ كيف تتجلى في الفن ووسائل الإعلام؟ كيف يمكن دراسة توجهاتها كرأي عام؟.
بالنظر إلى صفحات “الفايس” يحتل الجسد الصدارة، والدليل؟ الصور التي يلتقطها المراهقون لأنفسهم بكاميرا الجوال، صور عن قرب، تتيح إبراز أدق التفاصيل.
تعرض الصور لقطات للجسد الذكوري والأنثوي من مختلف الزوايا.
إن صناعة المحتوى هذا المحتوى التافه والمسلي على مدار الساعة بدون جهد يفرز التفاهة، ولهذا تأثير على الرأي العام، على عزيمة الشباب والوقت الذي يخصصونه للتعلم والدراسة.
لقد انتقل البراديغم من “أنا إفكر إذن أنا موجود” إلى معادلة “أنا إصور إذن أنا موجود”. المشكل أن هذا هوس بشكل اللحم وسيرته. عرض الفرد لحمه ليس محتوى.
تعرض الأنثى نفسها كنجمة، وتتصرف على هذا الأساس في طريقة لباسها وسيرها… تعرض نفسها لتحصل على متابعة أكثر مدرة للنقود.
إن هذا التسليع مضر بأهداف الحركة النسائية في نضالها لإقرار المساواة. هذا التسليع محتوى تجاري يمس كرامة أبطاله.
المصدر: وكالات