حفز النقاش الدائر حول مقترحات التعديلات على مدونة الأسرة التي أجازها المجلس العلمي الأعلى عودة التساؤل بشأن مدى أهلية ‘مؤثرين’ على مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم “نصائح” للأزواج، نساء ورجالا، والمُقلبين على الزواج حول كيفية تدبير العلاقات مع الشريك أو الشريكة، رغم “عدم توفر هؤلاء على مؤهلات علمية وأكاديمية في مجال الإرشاد الأسري أو تُوجز لهم ‘النشاط الحقوقي’ النسوي أو الرجالي”.
وعجّت تلك الفضاءات، خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بمناشير لمؤثرين، بعضهم دعاة، يحذرون من خلالها الشباب من الزواج “بعد إقرار المدونة”، أو “عدم توثيقه بالعقد والاقتصار على تلاوة الفاتحة، تفاديا لدفع خسائر النفقة على الطليقة وزوجها حال ترك بيت الزوجية”؛ فيما دعا طرف من هؤلاء “الأزواج إلى التأويل الفردي للشريعة الإسلامية، في علاقتهم الزوجية، وغداة طلاقهم أو وفاة أحدهم، بصرف النظر عن مخرجات المدونة المرتقبة”.
بالمقابل، لم تكف “مؤثرات” فنانات أو راقصات يُقدمن أنفسهن “كناشطات نسويات” عن “شرح ما يرتقب من تعديلات على مدونة الأسرة، على أنها مكتسبات مادية صرفة، من شأنها إنهاء الحيف الذي يطال الزوجات داخل الأسر، وتبديد الهيمنة الذكورية”.
نشطاء وحُقوقيون أكدوا أن “لجوء ‘مؤثرين’ غير مختصين أكاديميا ومهنيا في الإرشاد الأسري إلى تقديم نصائح للأزواج أو الشباب المقبلين على الزواج ناتج عن غياب ثقافة التوجه إلى المرشدين الأسريين في المجتمع المغربي، موازاة مع غياب الاهتمام بهذا الجانب على مستوى التعليم والفن”.
وحذر هؤلاء من أن “انبناء ‘توجيهات’ بعض المعنيين على تجارب شخصية في الزواج غير موفقة أو مريرة ودون أية مرجعية علمية من شأنه تعزيز الاستقطابات غير السليمة بين الجنسين، وزيادة عدد النزاعات بين الأزواج والشركاء المقبلين على الزواج”.
“غياب الاختصاص”
أمينة التوبالي، عضو ائتلاف المناصفة “دابا”، قالت إن “وسائل التواصل الاجتماعي أفرزت مؤثرين يتحدثون ويُفتون في أي موضوع يبدو لهم أنه سيجلب أكبر عدد ممكن من المشاهدين والمتابعين، رغم عدم توفرهم على مؤهلات علمية وأكاديمية تخول لهم الشرعية للقيام بذلك”.
وأكدت الناشطة الحقوقية والباحثة في قضايا المرأة أن “بعض هؤلاء المؤثرين يختار أساسا ‘التخصص’ في العلاقات بين الأزواج، بما أنه يحظى باهتمام جزء كبير من المغاربة رواد هذه الفضاءات، سواء المتزوجين أو العزاب”.
وأوضحت التوبالي أن “التوجيهات التي يُصدرها بعض المؤثرون للشباب المقبلين على الزواج أو الأزواج للعمل بها في علاقاتهم مع زوجاتهم الحاليات أو المستقبليات أو التي تنصح بها مؤثرات يعتبرن أنفسهن مدافعات عن النساء الأخيرات لاتباعها في علاقتهن بأزواجهن أو المقبلين على الزواج منهن هي بمثابة إرشادات أسرية سيئة وغير سليمة بتاتا؛ لأن هؤلاء وأولئك غير مُختصين أو أكاديميون أو باحثون”.
وتابعت المتحدثة شارحة: “في ظل النقاش الدائر حاليا حول تعديل مدونة الأسرة، انبرى بعض هؤلاء لمناقشة التعديلات المقترحة من منطلق ديني، دون أية دراية كافية بالعلوم الشرعية، والبعض الآخر من زاوية حقوقية وقانوني مع أنه لا يمتلك أي معرفة بالقوانين”، مُشيرة إلى “سيادة التكهن والتخمين بين هؤلاء بخصوص هذه التعديلات، ومنهم من يلجأ إلى تحريفها وتأويلها بشكل مغلوط، رغم أن تفاصيلها لم تصدر بعد”.
وعزت الباحثة في قضايا المرأة “بروز هؤلاء المؤثرين “المتخصصين” في تقديم نصائح للأزواج والزوجات بشأن تدبير العلاقة الزوجية إلى غياب ثقافة التوجه نحو المرشدين الأسريين في صفوف المغاربة، سواء المتزوجين أو المقبلين على الزواج”، مُوضحةَ أنه “أساسا هناك غياب للاهتمام الكافي من لدن الجهات المعنية بالإرشاد الأسري، إذ لا نجد جامعة مغربية واحدة تتوفر على شعبة لدراسة هذا التخصص، مقارنة بالدول الأخرى”.
ونبهت المتحدثة عينها إلى وجود “تقصير” من لدن الفاعلين السينمائيين والفنيي في هذا الشأن كذلك، “حيث إنه في مقابل وفرة المسلسلات الخليجية مثلا، التي تتمحور حول الإرشاد الأسري وتقدمه في قالب فني للمشاهدين، نجد أن هذا الموضوع يكاد يكون غائبا عن المسلسلات المغربية”.
“مغامرة بتداعيات”
عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، قال إن “تقمص عدد من المؤثرين بفضاءات التواصل الاجتماعي دور خبراء في العلاقات الزوجية دون أية خلفية أكاديمية أو معرفية دقيقة أمر يثير القلق؛ نظرا للتأثير الواسع الذي يمارسونه على فئات كبيرة من المجتمع، جراء توفرهم على عدد ضخم من المتابعين”، مؤكدا أن “ما يرفع خُطورة الظاهرة هو التأطير السطحي والمغلوط لقضايا هذه العلاقات ذات الحساسية الكبيرة”.
ولم يمانع تشيكيطو، في تصريحه لهسبريس، أن “حرية التعبير حق مكفول للجميع، ولها أهميتها في تجويد أي نقاش”، مُستدركا أن “ممارستها يجب أن تصحبها مسؤولية أخلاقية وعلمية، فالمواضيعُ المرتبطة ببنية المجتمع الأساسية: الأسرة لا تحتمل المغامرة فيها لغايات تغذية بعض النوازع والترسبات النفسية الناتجة عن تجارب شخصية فاشلة أو مريرة، أو لأهداف ربحية تتعلق باستجلاب أرباح الأدسنس”.
ومن “يدعون الدفاع عن حقوق الرجال أو النساء يقدمون غالبا خطابا مبنيا على تجارب فردية أو توجهات إيديولوجية، دون أية مرجعية علمية”، وفق تشيكطو، محذرا من أن “هذا الأمر يخلق استقطابا بين الجنسين (الزوجين/ الشريكين)، ويعمق الفجوة بينهما بدلا من تعزيز الانسجام”.
وشدد رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان على أن “قيام بعض هؤلاء المؤثرين بترويج معلوماتٍ مغلوطة عن الخطوط العريضة للتعديلات التي يمكن تطرأ على مدونة الأسرة هو تضليل قد يؤدي إلى خلق فهم مشوه للقانون، ويعزز النزاعات بدلا من تقديم حلول مبنية على مبادئ العدالة والمساواة”.
ونبّه الفاعل الحقوقي سالف الذكر إلى أن “مؤثرين ينصبون أنفسهم مدافعين عن القيم الإسلامية يسيئون أحيانا إليها، بتوظيفهم النصوص الدينية خارج سياقها الحقيقي”، شارحا أن “منهم من يناقش قضايا الأسرة وورش تعديل المدونة انطلاقا من وضعه وتجاربه”، ومحذرا أن “من شأن ذلك نشر أفكار رجعية بخصوص هذه القضايا، بدلا من تقديم فهم مستنير يعكس روح الدين المنبنية على العدل والرحمة”.
المصدر: وكالات