لم تدَع “مبادرة المثمر”، التي تطفئ هذه السنة شمعتها الخامسة بسَهرٍ مباشر من فُرق المكتب الشريف للفوسفاط وجامعة “UM6P”، فرصة الدورة الـ16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تمرّ دون كشف جديدها بخصوص تسهيل ولوج الفلاحين المستهدفين بالمواكبة والدعم، وتعزيز أفضل الممارسات التقنية في زراعات مختلفة؛ وهو ما مثلته مبادرة “المثمر لمكننة مستدامة”.
النسخة السادسة عشرة من الحدث الفلاحي الأكبر قارياً لم تخْلُ من عرض القائمين على جناح مجموعة “OCP 6” نماذج أولية تطبيقية لـ”المثمر مَكننة مستدامة”، التي تندرج “ضمن دينامية الابتكار المُقتصِد” (innovation frugale)، وتستهدف عبر الذكاء الجماعي تسهيل تصميم وتصنيع نماذج أولية لمُعدّات فلاحية بإمكانها التأقلم مع واقع وتحديات الزراعة في تربة المغرب وعدد من دول قارة إفريقيا”.
وحسب جميلة عداني، المسؤولة عن التطوير الفلاحي بمبادرة “المثمر” بجامعة محمد السادس متعددة التقنيات بابن جرير، تهدف هذه المبادرة إلى “تعزيز تطوير نماذج أولية للأدوات الزراعية تتكيف مع واقع المزارعين في المغرب والدول الإفريقية الأخرى”، مضيفة في شروح وإفادات مبسطة لهسبريس أنها “تبقى مجرد نماذج أولية يمكن للجميع الوصول إليها وتكييفها بشكل خاص مع الاحتياجات المحددة على الأرض، في أفق تطويرها من خلال هاكاثون خاص ندعو المهتمين من المزارعين والفلاحين إلى المشاركة فيه”.
“المكننة الملائمة رافعة رئيسية في عملية التحول الزراعي المستدام بإفريقيا، حيث أطلق فريق “المثمر” هذه المبادرة في يناير 2024 بهدف تعزيز تطوير نماذج من الوسائل الزراعية الملائمة لواقع الفلاحين في المغرب وفي دول إفريقية أخرى، وهي نماذج يمكن الولوج إليها من قبل الجميع، خاصة أنها ملائمة للاحتياجات المحددة على أرض الواقع”.
خروج مبادرة “المكننة المستدامة” لم يكن ممكناً، حسب مسؤولة التطوير الفلاحي، “إلّا بدعم الأكاديمية الإفريقية للتدريب الصناعي (قطب الكفاءات الصناعية التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية UM6P) ، وشبكة الزراعة المستدامة الإفريقية (ACT)، التي تمتلك خبرات واسعة في المكننة المستدامة الموجَّهة إلى صغار الفلاحين، الممارسين لنشاط الفلاحة الحافظة”، مضيفة أنها “ترتكز أيضا على آراء صاعدة من مجتمعات الفلاحين المبتكرين في الميدان الذين حاولوا تطوير النماذج الأولية”.
نماذج قابلة للتعميم
وتابعت مسؤولة التطوير الفلاحي قائلة إن هذه الدينامية الابتكارية الجديدة أفرزت تطوير 6 نماذج، أولها يهم “تكييف مزرعة عادية مع الزرع المباشر”، وثانيها يتعلق بـ”تكييف مِثقاب متعدد الوظائف لأخذ عينات من التربة والجذور”. والثالث يهم “تطوير آلة حاصدة ذكية لجمع محصول الزيتون”، بينما الرابع يلامس “تطوير محصول ذكي من الثمار الصغيرة (مثل القهوة)”، إضافة إلى نموذج خامس حول “تكييف مزرعة صغيرة مع نظام VRA (تطبيق معدل متغير)، بشكل يسمح بتوزيع البذور والسماد”. أما السادس فيتعلق بـ”تكييف آلة بذر يدوية لضمان زراعة فعالة في الحقول غير المحروثة والمغطاة بالبقايا”.
“في ظرف ثلاثة أشهر استطاع الفريق المكلف بالمكننة الفلاحية المستدامة تطوير هذه النماذج المذكورة للمُعدّات والآلات الفلاحية، أبرزها آلة البذار اليدوية التي تصلح للزرع المباشر، خاصة في الأراضي صعبة الولوج”، تقول عداني، قبل أن تضيف أن “المستقبل يبدو واعداً”.
وأجملت المسؤولة بجامعة محمد السادس بابن جرير القول بأن “مبادرة المثمر للمكننة المستدامة تطويرَ نماذج معدات فلاحية، التي يبقى أساس ابتكارها هو الاستجابة لحاجيات الفلاح ونوعية التربة والأراضي بالمغرب ودول إفريقية”.
“أصداء طيّبة بين الفلاحين”
ووفق ما عاينته هسبريس عند زيارتها لجناح عرض النماذج المبتكرة، فإن الأخيرة حازت اهتماماً لافتاً، وجذبت أنظار عدد من الزائرين، خاصة من فئات صغار المزارعين والفلاحين، الذين يحتاجون مثل هذه الابتكارات لتطوير محاصيلهم وتحسين مردودية أراضيهم.
زيد السعيد- وهو فلاح مطوّر لأحد النماذج المبتكرة، التي تهم آلة تستخدم في حصاد غلّة أشجار الزيتون المثمرة، قدم من جماعة أولاد فنان السماعلة الواقعة بإقليم خريبكة- أشاد بالدينامية التي أطلقها المكتب الشريف للفوسفاط لفائدته مع عدد من فلاّحي منطقته، مضيفا أن “المثمر وفّر بيئة خصبة للابتكار والتطوير والتشجيع على حلول مستدامة”.
المزارع ذاته، الذي يعمل أيضا أستاذا في تخصص “الميكانيك الفلاحية”، أعرب في حديثه مع جريدة هسبريس عن انطباعه حول المشروع، قائلا إن “هذه النماذج ما زالت قيد التطوير بشكل يجعلنا نؤمن بقدرة الفلاحين أنفسهم على خوض غمار البحث العلمي والتطوير التطبيقي المتواصل لكل ما يعود بالنفع على سلسلة إنتاجهم وتحسين مردوديته”.
يشار إلى أن مبادرة “المثمر”، بعد نجاح هذه المرحلة التجريبية، ونظرًا لاهتمام المزارعين والشركاء، قررت منح أبعاد وآفاق أوسع لهذا البرنامج التجريبي؛ من خلال إطلاق هاكاثون للابتكار المقتصد في يوليوز 2024، حيث يطمح الفريق المسؤول عن المبادرة إلى إطلاق دينامية أوسع، تجمع شركاء آخرين من أجل تطوير مجموعة مخصصة للزراعة المقتصدة تلبي الاحتياجات الحقيقية على أرض الواقع.
المصدر: وكالات