نشر المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) تقريرًا أكد من خلاله أن المغرب استثمر بشكل كبير وعلى مدار الـ25 عامًا الماضية في البنية التحتية وصناعة السيارات ومشاريع الانتقال الطاقي، ما عزز جاذبيته العالمية، معتبرا أنه “رغم وجود العديد من المشاكل التي مازالت تواجه مسار تنمية البلاد إلا أن الرباط استثمرت في الربع القرن الماضي بشكل منهجي في بعض القطاعات، محققةً أداءً متميزًا زاد من جاذبيتها بين المستثمرين الدوليين”.
وأكد المصدر ذاته أن “المغرب يعتمد على موقعه الإستراتيجي، من قربه من القارة الأوروبية إلى واجهته الأطلسية التي تسهل التجارة مع أمريكا الشمالية والجنوبية، بالإضافة إلى دوره كبوابة تجارية نحو إفريقيا”، مبرزًا أن “هذه الإستراتيجية تعززت من خلال اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي التي دخلت حيز التنفيذ عام 2000 أو مع الولايات المتحدة، فضلاً عن علاقاته مع الصين والعلاقات المتنامية مع دول إفريقيا جنوب الصحراء”.
وشدد التقرير على أن “تنمية البنية التحتية هي العمود الفقري الحقيقي للطفرة الصناعية الوطنية في المغرب، فهي جزء من إستراتيجية أوسع لزيادة دور البلاد في التدفقات التجارية العالمية، والاندماج في سلاسل القيمة العالمية”، مشيرًا إلى أن “المغرب يستعد اليوم لإطلاق عدة مشاريع جديدة وتوسيع الشبكات الحالية للبنية التحتية، استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2030 في إطار ترشيح مشترك مع إسبانيا والبرتغال”.
ويعد ميناء طنجة المتوسط، حسب المعهد الإيطالي، رمزًا لكل هذه الطموحات المغربية، فقد “سجل هذا الميناء أرقامًا قياسية جديدة في حركة المرور، إذ عرف العام الماضي مرور أكثر من 10 ملايين حاوية، بزيادة قدرها 18.8 في المائة مقارنة بأرقام العام 2023″، وأبرز أن “إحدى نقاط القوة في طنجة المتوسط هي ربطه بشبكة السكك الحديدية مع المدن الكبرى، وميناء الدار البيضاء والمناطق الصناعية”، لافتا إلى “العمل على تمديد خط السكك الحديدية السريعة من طنجة إلى الدار البيضاء ليصل إلى مراكش في أفق سنة 2029، ثم إلى أكادير بحلول عام 2040″، ومشيرا إلى أن “توسيع شبكة السكك الحديدية المغربية أثار منافسة شديدة بين كبار شركات بناء القطارات والموردين العالميين”.
وسجلت الوثيقة ذاتها على صعيد آخر أن “المغرب يطمح إلى لعب دور بارز أيضًا في قطاع السيارات الكهربائية التي شهد فيها تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، إذ تم إطلاق مشروع لإنتاج سيارات مغربية بالكامل (مثل نيو)، إضافة إلى جذب استثمارات ضخمة لتطوير صناعة مكونات السيارات، على غرار الرقائق الإلكترونية والبطاريات”.
وإلى جانب السيارات الكهربائية يراهن المغرب أيضًا على “التحول الأخضر لضمان أمنه الطاقي وظهوره كمصدر للطاقة المتجددة، إذ أضحت البلاد من رواد التحول الطاقي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، وفق التقرير، لافتا إلى “إطلاق أول إستراتيجية طاقية وطنية سنة 2009، والعمل بعدها على تحديد أهداف طموحة في مجال الطاقة المتجددة، وتطوير شبكة مؤسسية وجذب استثمارات ضخمة من الخارج لإنتاج الطاقة الريحية والطاقة الشمسية، ومؤخرًا إنتاج الهيدروجين الأخضر”.
وأكد المصدر ذاته أن “المغرب حقق نجاحات مهمة في مجالات البنية التحتية والصناعة وسلاسل القيمة والانتقال الطاقي، غير أن هناك أيضًا العديد من العوامل الهيكلية التي تتسم بعدم اليقين والهشاشة، ما قد يهدد بتقليص حجم التحولات الجارية، إذ إن البلد اليوم في ما يُسمى ‘فخ الدخل المتوسط’، ويواجه نموذجه الاقتصادي الذي يعتمد على الصادرات تحديات من اقتصادات ذات دخل أقل وصناعات كثيفة العمالة، فضلاً عن الاقتصادات المتقدمة التي تتمتع بتطور تكنولوجي عالٍ؛ لذلك يحتاج إلى استثمارات في الابتكار والبحث والتطوير والتعليم، مع التركيز على نموذج تنموي أكثر شمولية”.
وشددت الوثيقة على أهمية القيام بجهود تنظيمية إضافية في بعض القطاعات الاقتصادية، خاصة في مجال الانتقال الطاقي، “إذ لم يتمكن المغرب بعد من تحقيق الأهداف التي حددها”، معتبرة أن “الاقتصاد المغربي قد يتأثر بسياسات ترامب الحمائية، إذ يُخشى أن يعتزم الرجل اتخاذ تدابير انتقامية ضد الدول التي تقوم فيها الشركات الصينية بتفريغ الأنشطة الإنتاجية أو جزء منها بهدف التهرب من الحواجز الجمركية الأمريكية، ويبدو أن حالة الاستثمارات الصينية في صناعة البطاريات للسيارات الكهربائية في المغرب قد تكون أحد الأمثلة على ذلك”.
المصدر: وكالات