بعد التساقطات الكبيرة التي سجلتها مجموعة من مناطق البلاد، سواء الأمطار التي أدت إلى فيضانات في عدد من المدن والمناطق أو الثلوج التي غطت سلاسل الجبال وعزلت قرى ومداشر، بدأت تظهر في المغرب بوادر التعافي من مواسم الجفاف العديدة التي ألقت بظلالها الثقيلة على البلاد والعباد.
وسجلت حقينات السدود في المغرب تحسنا ملحوظا خلال هذا الأسبوع؛ إذ بلغت نسبة الملء حتى اليوم الجمعة 33.1%، وذلك بعدما كانت بالكاد تصل إلى 30% قبل أيام، الأمر الذي يبين الأثر الإيجابي للتساقطات الأخيرة على المخزون المائي.
ويمثل هذا التطور خطوة محفزة نحو تعافي البلاد من تبعات الجفاف وشبح العطش الذي تربص طيلة السنوات الماضية بسكان العديد من المناطق، بل وأخرج العديد منهم للاحتجاج والمطالبة بتوفير المادة الأساسية للحياة.
محمد بنعبو، خبير في المناخ والبيئة، اعتبر أن الوضعية المائية في المغرب تتجه نحو التعافي، مسجلا أن هناك تحسنا تدريجيا بعد التساقطات التي عرفتها المملكة منذ يوم الجمعة الماضي.
وقال بنعبو، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إن الأمطار سجلت بشكل كبير في مجموعة من الأحواض المائية، التي تحسنت وضعيتها تدريجيا، مثل حوضي سبو واللوكوس، مبرزا أن المنخفض الجوي لم يحمل الأمطار فقط، بل جاء بالثلوج وبكميات جد مهمة تجاوزت المتر و20 سنتمترا في بعض المناطق.
وأضاف الخبير ذاته أن الأهم في الثلوج المسجلة هو “الانخفاض الكبير المسجل في درجة الحرارة، وبقاؤها في الجبال لوقت أطول، وكلما كان هناك ذوبان مسترسل لهذه الثلوج كانت هناك تغذية للفرشة المائية بشكل مستدام، ما سيؤدي إلى تحسن تدريجي بالنسبة للفرشات المائية التي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات العجاف”.
واستدرك بنعبو بأن التحسن المسجل “لا يعني أننا قطعنا الواد ونشْفُو رجْلينَا، لا. مازلنا نعاني من الإجهاد المائي، ونسبة نسبة ملء السدود على الصعيد الوطني متدنية في عدد من الأحواض المائية”، مشددا على أن مناطق “مازالت تعاني من الإجهاد المائي لأن سنوات الجفاف أثرت بشكل الكبير على المخزون المائي للسدود وعلى الفرشات الباطنية”.
من جهته، حذر عبد الرحيم هندوف، خبير في الموارد المائية وتدبيرها، من الاغترار بالتساقطات المطرية التي سجلتها البلاد في الأسبوع الأخير، مؤكدا أن الجفاف معطى هيكلي ملازم للمغرب انطلاقا من موقعه الجغرافي.
وقال هندوف في تصريح لهسبريس: “هناك اتفاق بين الخبراء على أن سنة عادية من التساقطات تمثل معدل الأمطار المسجل في بلد ما خلال 30 عاما”، مشددا على أنه مهما كان حجم التساقطات هذا العام، لن يغير من الواقع شيئا”.
وأشار الخبير المائي إلى أهمية التمييز بين الجفاف الفلاحي والجفاف الهيدرولوجي، معتبرا أن الأمطار المسجلة تعلن بداية موسم فلاحي جيد، لكنها لا تؤثر بشكل كبير على مستوى الجفاف الهيدرولوجي.
وأوضح أنه في كثير من الأحيان يمكن أن يسجل بلد ما سنة جفاف هيدرولوجي ولكن في الآن ذاته يحقق إنتاجا قياسيا بالنسبة للحبوب، وهذا حصل في المغرب خلال 2021، حيث حقق المغرب إنتاجا بلغ 98 مليون قنطار، معتبرا أن الموسم الفلاحي استفاد من توزيع التساقطات رغم قلتها.
وأفاد هندوف بأن التساقطات المطرية يمكن أن تخفف من حدة مشكل الماء وقلته في عدد من المناطق، ويتراجع الحديث عن أزمة العطش والمشاكل المرتبطة به، “لكن هذا لن يحل الأزمة المرتبطة بالموضوع؛ لأن الجفاف واقع ملازم للبلاد وطبيعتها ما علينا إلا التعايش والتكيف معه، خصوصا مع ارتفاع الطلب على الماء بسبب ارتفاع عدد السكان”.
المصدر: وكالات
