خصّ المغاربة فريق اتحاد العاصمة الجزائري لكرة القدم وطاقمه بحفاوة استقبال يتقدمها الحليب والتمر وشعارات الترحيب؛ وهي فعل ترحيبي “مألوف جدا” لدى الشعب المغربي، الذي قرر هذه المرة أن يضع خلف ظهره السلوك المهين الذي تعرض له فريق النهضة البركانية بمطار هواري بومدين الأسبوع الماضي بسبب أقمصة تتضمن خريطة المغرب الكاملة؛ ما عرقل إجراء لقاء ذهاب نصف نهائي “كأس الكاف” بين الطرفين الرياضيين.
ويبدو أن الترحيب بـUSMA (الاتحاد الرياضي الإسلامي للجزائر العاصمة)، الذي نال إعجاب المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أثبت إصرار المغربية على “عدم القيام أي رد فعل ينافي قيمهم؛ وهو ما علق عليه متتبعون بالقول: الجزائر أدخلت السياسة قسرا إلى الرياضة، رغم عدم الانفصال التام بينهما؛ لكن المغرب باستقبال الفريق الجزائري أدخل قيما مغربية، وهي في الأصل مغاربية، إلى حقل الرياضة.
نواة صلبة
زكرياء أكضيض، باحث في علم النفس الاجتماعي، قال إن “المغربي بسلوكه أثناء استقبال الفريق الخصم بعد أيام من مصادرة أقمصة الفريق المغربي، عاد بالقيم إلى منطلقها الأول: المجال المغربي”، موضحا: “هذا الفضاء فيه قيم واحدة، تحاول السياسة بعناد أن تفسدها، ولكن هناك شعوب تتمسك بها، وإرادة سياسية قد تساهم من الخارج في رعايتها، وهذا ما قام به المواطن المغربي”.
وأوضح أكضيض، في تصريح لهسبريس، أن “المشترك أقوى من المناخات السياسية الظرفية التي يمكن أن تشحن الأفراد في ظرفية سياسية مؤقتة، وتورطهم في خطابات متطرفة”؛ وفي إشارة إلى الجزائر اعتبر أكضيض أن بعض الفاعلين في النطاق المغاربي يصرون على إدراج كلّ شيء في خانة السياسة، وهي خدعة تنطلي أكثر على مُحرّكها؛ وهو ما يستدعي فاعلا عاقلا مثل المغرب، ليستحضر الامتداد الجغرافي.
ولأن منظار القيم فرصة للتركيز على الذات المغربية، ثمّ المغاربية، فقد تطرق الباحث إلى “أهمية هذا التحرك المغربي، في تجسيد القيم المشتركة والانتصار لها، خصوصا قيمة إكرام الضيف وعدم إشعاره بأي نوع من الإهانة”، وقال: تصرّف المغرب سلوك تواصلي متميّز لا يمثل الدفاع عنه أيّ تزلف للفاعل السياسي؛ وهو فعل يعبر عن حضارة، وعن النواة الصلبة للذات المغربية، حين تقترح أن تقف على ناصية الخطاب السياسي والإيديولوجي المشحون، دون أن تطأه.
قوة سمحة
مهدي عامري، كاتب وجامعي باحث في الفعل التواصلي، قال: “في خضم الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالعالم، يبرز المغرب كنموذج فريد في التعاطي مع هذه التحديات، مستمدا قوته من حكمة الإسلام وسماحته، ومتمسكا بقيم الكرم والتسامح الراسخة في ثقافته”، مضيفا: هناك توترات سياسية تسيطر على المشهد في العديد من الدول، غير أن المغرب اختار نهجا مغايرا، مُبعدا الرياضة عن صراعات السياسة، ومُعززا بذلك قيم التعايش والاحترام بين الشعوب.
وسجل عامري، ضمن إفادة عرضها لهسبريس، أن نهج المغرب تجاه فريق اتحاد العاصمة يجسد بشكل جليٍّ القيم الإسلامية المغربية، حيثُ يُؤكّد على أهمية الحوار والتفاهم بين مختلف الثقافات ويُنبذ التعصب والعنف بكل أشكاله”، وأوضح: لم يقتصر تميز المغرب على حكمة نهجه فحسب، بل تجلى أيضا في كرمه وتسامحه، فالمغاربة معروفون بحسن ضيافتهم وكرمهم تجاه ضيوفهم، مثلما حدث مع فريق عرضت سلطات بلاده فريقا مغربيا للتنكيل.
وأشار المتحدث إلى أن “هذا النموذج الفريد الذي تقدمه المملكة المغربية يُشكل مصدر إلهام للعالم أجمع، ويثبت أن الحكمة والتسامح هما السبيل الأمثل لحلّ الأزمات وتعزيز السلام والازدهار”، خاتما بأن “المغرب، بفضل حكمة قيادته وشعبه المُحبّ للسلام، يُواصل مسيرة التقدم والتنمية، ويُساهم بشكل فعّال في إرساء قيم التعايش والاحترام بين الشعوب، مغاربية أو غيرها”.
المصدر: وكالات