بعد تدشين موسم الحصاد برسم السنة الفلاحية الجارية، بدأت تظهر بوادر ومؤشرات المحصول المرتقب أن تسجله البلاد والذي بالكاد سيتجاوز 30 مليون قنطار، مقارنة مع 55 مليونا المسجلة السنة الماضية، وهو المعطى الذي يؤكد المنحى التراجعي للحبوب في البلاد بسبب تداعيات الجفاف.
الأرقام المتراجعة سنة بعد أخرى بسب توالي أعوام الجفاف الذي بات واقعا هيكليا في المغرب، تطرح مجموعة من التساؤلات بخصوص الاستراتيجيات والبرامج التي تعلنها الحكومة، ووزارة الفلاحة بشكل خاص، في التعامل مع الظرفية والتغيرات المناخية، خاصة مع تنامي الحديث عن الحبوب المقاومة للجفاف وسبل وطرق الزراعة الذكية المقتصدة في استهلاك الماء.
ومنذ سنوات والحديث يجري في المغرب عن تجارب ومنصات تطبيقية يشرف عليها مهندسون زراعيون لتطوير أصناف جديدة من الحبوب مقاومة للجفاف، إلا أن لا شيء تحقق حتى اليوم على أرض الواقع، ولم نسجل أي تحسن في المحصول الزراعي في ظل استمرار تراجع معدل التساقطات المطرية واستحكام الجفاف.
أمام هذا الوضع، يلقي كثير من الفاعلين والخبراء بالمسؤولية على عاتق وزارة الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات، التي يعتبرون أنها “فشلت” في تبني استراتيجيات وبرامج ناجعة في زراعة الحبوب وتعزيز قدراتها المقاومة للجفاف والتغيرات المناخية، ويحملونها مسؤولية العجز البين الذي يجعل حاجيات المملكة من القمح بيد السوق الدولية وتقلباتها غير المتوقعة في كثير من الأحيان.
الخبير والمحلل الاقتصادي عبد الخالق التهامي اعتبر، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية حول الموضوع، أن “من الصعب محاسبة أي أحد أو طرف على تراجع المحصول السنوي من الحبوب”، مؤكدا أن البحث العلمي في المجال الزراعي “ليس سهلا، والعديد من البلدان سبقتنا في هذا الموضوع”.
وأوضح التهامي أن “الأبحاث العلمية تقوم على التراكم، وما يستفيد منه الآخرون قبلنا نستفيد منه نحن الآن، وبالتالي من الصعب القول إن التخلف الحاصل مسؤولة عنه جهة محددة، لأن المهندسين الزراعيين ببلادنا يشتغلون”.
وأضاف الخبير والمحلل الاقتصادي أنه “حتى وإن نجحت التجارب الزراعية في الحقول التجريبية في منطقة معينة، فمن أجل تعميمها على الفلاحين، فإن الأمر يتطلب وقتا طويلا، ولا يتم ذلك بسرعة كما يظن البعض”.
وزاد: “إذا كان لدينا 800 ألف فلاح في المناطق البورية شبه الجافة، فلا يمكن أن تأتي وتخبرهم بالتوصل إلى نتائج مهمة من خلال استعمال بذور مقاومة للجفاف وتنتظر منهم تطبيق ذلك. وبالتالي، لا يمكن أن نحاسب أيا كان لأن الجميع يشتغل كل من موقعه واستطاعته”، مبرزا أن التقنيات الجديدة “لا يطبقها إلا حوالي 2 أو 5 بالمائة من الفلاحين”.
ودعا التهامي إلى مواصلة التركيز على البحث العلمي والجهود المبذولة فيه، والبحث عن الصيغ المناسبة وتغيير الإنتاجات المستهلكة للماء، معتبرا أن الصيغة التقنية والعلمية للتعامل مع الوضع “لا يتم تنزيلها بسرعة، وتتطلب وقتا طويلا وجهدا تواصليا كبيرا مع الفلاحين”.
من جهته، قال الخبير الفلاحي رياض أوحتيتا: “بعد ست سنوات من الجفاف، مساءلة الحكومة ووزارة الفلاحة حول الوضع الزراعي وتراجع إنتاج الحبوب مسألة مطروحة”، موردا أن الوزارة لم تبين “الزراعات البديلة التي كان ينبغي أن تكون من بين الزراعات المدعومة في إطار مخطط الجيل الأخضر”.
وسجل أوحتيتا، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن إنتاج الحبوب يتركز هذه السنة في “مناطق الشمال والغرب”، موضحا أن “التغيرات المناخية والجفاف قلبا المعادلة في المغرب؛ فبعدما كانت برشيد تعد سلة الحبوب في المملكة، أصبحت لا تحقق الكثير”.
وأفاد الخبير الفلاحي بأن أصناف الحبوب المقاومة للجفاف تجرب في “مجالات ومساحات صغرى وسيتم اعتمادها السنة المقبلة، ولا يمكن أن تحقق الفاعلية نفسها”، مؤكدا أن جهودا كبيرة ينبغي أن تبذل.
وأبرز أوحتيتا أن تراجع محصول الحبوب خلال هذه السنة، “يرجع أساسا إلى تقلص المساحات المزروعة”، مؤكدا “ضرورة مد الفلاحين بالبذور المقاومة لشح التساقطات التي يمكن زراعتها في المناطق المرجعية للحبوب بدكالة وعبدة والرحامنة، وتأخير وقت زراعتها حتى تستفيد من تأخر التساقطات الذي تعرفه البلاد في السنوات الأخيرة”.
وأشار أوحتيتا إلى أهمية توفير الدعم اللازم للفلاحين وتشجيعهم على الزراعة وخفض كلفة الإنتاج، معتبرا أن إجراءات من هذا القبيل تبقى “ضرورية ومن مسؤولية الوزارة لدعم الإنتاج وتقليل حجم الخصاص والاستيراد من المادة الحيوية في السوق الوطنية”.
المصدر: وكالات