أمام استمرار تسويق منتج البصل بأسعار “متدنيّة” في أسواق الجملة، جددّ مزارعون لهذه المادة الحيوية بالنسبة للمغاربة مناشدتهم وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رفع منسوب الصادرات المسموح بها إلى أسواق دول إفريقيا جنوب الصحراء، لا سيّما أن 500 طن التي جرى تحديدها لكل جهة بموجب “الكوطا”، “لم تفلح في تصريف المحصول بما يضمن استقرار السعر في مستوى يغطي كلفة الإنتاج والجني”.
ولا يخفي بعض المهنيين الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية مقاومتهم “هزالة الأسعار باللجوء إلى التخزين في انتظار ارتفاعها من جديد”، إلا أنهم يؤكدون أن “كل يوم تخزين يعني تلف كميات مهمة من البصل”، في حين يلفت آخرون إلى أن “درجات الحرارة المرتفعة بمناطق منتجة لآلاف الأطنان من البصل، تصعّب التخزين بالطرق التقليدية، وبالتالي يضطر الفلاحون إلى الإذعان للأسعار الهزيلة”، ما يستعجل، بحسب هؤلاء، “تصريف الفائض من المحصول في الأسواق الإفريقية”.
ووصلت أسعار البصل بالجملة في الأسابيع الأخيرة إلى درهم للكيلوغرام الواحد، ودرهم ونصف درهم بالنسبة للصنف عالي الجودة، وفق المصادر ذاتها.
وبعد أشهر من مطالبات المنتجين والمصدرين، سمحت السلطات المغربية، مطلع يوليوز الماضي، باستئناف تصدير البصل والبطاطس، على أن يتم العمل بنظام “الكوطا”، إذ وضع سقف 500 طن لتصدير هاتين المادتين بالنسبة لكل جهة.
“حصص غير كافية”
حاتم، مزارع بإقليم جرسيف، قال إن “ارتفاع الكميّات المنتجة من البصل هذه السنة جعل سعر بيعه بالجملة يصل إلى درهم للكيلوغرام الواحد، ودرهم ونصف الدرهم للصنف عالي الجودة على أقصى تقدير، وهي أثمنة متدنية جدا وقاصرة عن تغطية الحد الأدنى من تكلفة الإنتاج والجني المرتفعة”، مضيفا أن “الفلاحين الذين لا يغريهم الثمن يلجؤون بالفعل إلى تخزين البصل على الطريقة التقليدية (الكّارورات) ريثما يرتفع السعر، لكن كلمّا طالت مدة التخزين يتعرّض البصل للتلف، ولتفادي خسارة كبيرة ينبغي أن يصرف المحصول المخزن قبل شهر نونبر”.
وأضاف حاتم، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “السعر الذي يلبي طموحات المزارعين هو 3 إلى 4 دراهم للكيلوغرام الواحد من البصل، ولا يمكن تحقيق هذا السعر إلا بمضاعفة كميّات البصل المسموح بتصديرها في كل منطقة، لأن الكميات الحالية لا تكفي الفلاحين المزارعين البتة ويبقى المحصول متراكما لديهم، في ظل عدم تقديم بائعي الجملة سعرا معقولا، ما يجعل شبح الخسارة قائما”.
وفي إقليم سيدي قاسم، جعلت الأسعار “الهزيلة” لتسويق منتوج البصل عددا من مزارعي هذه المادة يتريثون بدورهم عن بيع المحصول، يؤكد طارق عبدو، مهني بالمنطقة، مشيرا إلى أنه تخلى “عن حصاد محصول ثمانية هكتارات من البصل، لأن البيع بسعر 150 سنتيما للكيلوغرام الواحد (30 ريال) لن يؤمن حتى مصاريف اليد العاملة، بالأحرى ضمان رأسمال الإنتاج، وما دامت الخسارة واقعة في حالتي البيع أو الامتناع، فليبقى المحصول في الأرض”، بتعبير المزارع عينه.
وأضاف عبدو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قائلا: “نتفهّم أن هناك وفرة في الكميّات المنتجة بجميع مناطق إنتاج البصل، ولكن ينبغي على وزارة الفلاحة ألا تترك تدني الأسعار بسب هذه الوفرة يتسبب في خسارة كبيرة بالنسبة إلينا”، مناديا بدوره برفع “الحصص المخصصة للتصدير إلى الأسواق الإفريقية لكي يتم تصريف المحصول الذي يتعرّض للتلف ويبقى الثمن في مستويات ترضي المزارع والمستهلك على السواء”، مغتنما المناسبة “لدعوة الوزارة إلى صرف دعم البذور لفلاحي المنطقة”.
“ليس جحودا..ولكن”
وقال حسن كوكو، رئيس تعاونية أكري كيكو لتسويق البصل بإقليم بولمان، إن “سعر بيع الكيلوغرام الواحد من البصل بالمنطقة وصل هذا اليوم إلى 180 سنتيما، وهو ثمن لا يمكننا الجحود بأنه يضمن هامش ربح محترما بالنسبة للفلاحين على العموم”، مستدركا بأن “غالبية فلاحي المنطقة، لا يلجؤون إلى بيع محصولهم في هذه الفترة، بل يخزنونه في “الكراير” في انتظار ارتفاع السعر إلى درهمين ونصف أو ثلاثة دراهم”.
كوكو أوضح لهسبريس أنه “بالنظر إلى اعتدال الطقس في المنطقة، فإنه لا مخاوف لدى المزارعين من تلف المحصول المتوفّر بكثرة، ما يجعلهم قادرين على التريّث قبل البيع”، إلا أنه لفت إلى أن “مهني الحاجب والمهاية ومكناس يضطرون إلى البيع بثمن ضعيف لا يتعدى 120 سنتيما للكيلوغرام الواحد، تفاديا لتلف محاصيلهم في ظلّ عدم القدرة على التخزين بسبب ارتفاع درجات الحرارة”، مؤكدا أن “هذا ثمن قاصر على توفير الحد الأدنى من تكلفة الإنتاج، حيث تتطلب زراعة هكتار واحد من البصل ألف درهم”.
من هذا المنطلق، دعا المهني ذاته بدوره “وزارة الفلاحة إلى الرفع من الحصص المخصصة لتصدير البصل لاستثمار الكميّات المهمة المعرّضة للتلف بهذه المناطق في جلب العملة الصعبة للبلاد من جهة، وتجنيب الفلاحين خسارة تهدد بتحوّلهم إلى زراعات أخرى من جهة ثانية”، مطمئنا المستهلك المغربي “بتوفر البصل بكمّيات وافرة وبقدرة مناطق ككيكو لوحدها على تغطية الطلب، ما يعني أن ارتفاع الثمن في حال اتخذت الوزارة هذا القرار لن يكون كبيرا”.
المصدر: وكالات