يجلس سانتوس وشقيقه الأكبر مع العشرات من المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في حديقة بوسط مدينة صفاقس التونسية منذ ساعات الصباح، دون أفق واضح.
يتخذ الوافدون الجدد على المدينة الحديقة، حيث تنتشر خيامهم العشوائية، كملاذ للنوم والاحتماء من أشعة الشمس، ويأمل أغلبهم في الوصول إلى السواحل الإيطالية القريبة؛ لكنهم يفتقدون إلى المال الكافي.
وصل سانتوس وشقيقه الأكبر من نيجيريا قبل أشهر، وكانا يخططان للهجرة إلى السواحل الإيطالية؛ لكن، وفق روايتهما لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ)، تعرضا إلى السطو وفقدا أموالهما.
وقال الشقيق الأكبر إنهما يحاولان تدبر أمرهما وتأمين الغذاء عبر المساعدات كل يوم؛ لكن ليس لديهما أي خطط واضحة للفترة المقبلة وكيف سيتصرفان من دون المال.
على عكس الشابين، يفضّل أغلب المهاجرين المتوارين عن الأجهزة الأمنية عدم التحدث إلى وسائل الإعلام بسبب مخاوفهم من الملاحقة القضائية مع تواتر أعمال العنف في المدينة.
على بعد مئات الأمتار، تجمع محتجون من السكان أمام مقر الولاية لمطالبة السلطات بالتدخل في ظل التدفق المستمر للمهاجرين الباحثين عن فرص أفضل للحياة في أوروبا، في وقت عرض فيه الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات على تونس لمكافحة عصابات تهريب البشر ومنع المهاجرين من الوصول إلى السواحل الإيطالية.
ورفع محتجون لافتات تعبر عن قلقهم؛ مثل: “لماذا صفاقس”، و”صفاقس تستغيث”، و”نعيش معا لكن نعيش في سلام”.
فيما انتقد آخرون المفاوضات التي تديرها السلطة مع الاتحاد الأوروبي وحمل محتج لافتة عليها عبارة “المساعدات الأجنبية حصان طروادة النفوذ الأجنبي”.
وقال الناشط زياد الملولي، الذي دعا إلى الوقفة الاحتجاجية، لـ (د. ب. أ): “قبل عامين، كنا نتحدث عن 17 ألفا أو أكثر من 20 ألفا.. في البداية، عاشوا معنا بلا مشاكل؛ لكن العدد تفاقم بسرعة”.
وأضاف الملولي: “المهربون يتاجرون بهم ويستغلون هروبهم من الفقر. العنف انتشر فيما بينهم، وأصبح هناك خوف لدى المواطنين في صفاقس”.
وتابع الناشط: “شاهدنا تحركات دبلوماسية دولية في تونس. نريد حلولا جذرية وواقعية لمشكلة الهجرة في صفاقس.. نريد تطبيق القانون”.
قبل أيام، جد بالمنطقة شجار عنيف بين مهاجرين بسبب خلاف حول المال تسبب في جرح بالغ لأحد المصابين كان قد تلقى طعنة بموسى.
وقال شهود لـ(د. ب. أ) إن الخلاف كان بسبب المال، وقال مصدر أمني إن المهربين يرغمونهم على جمع ما بين سبعة آلاف وتسعة آلاف يورو مقابل تجهيز قارب واحد بمحرك للرحلة إلى إيطاليا التي تبعد حوالي 180 كيلومترا.
ويوم السبت، انتشر مقطع فيديو من المدينة يظهر صراعا بين مجموعتين من المهاجرين باستخدام السكاكين والحجارة أدى إلى إصابة أحدهم طعنا في رجله.
وقالت السلطات القضائية، لاحقا، إنها أوقفت أربعة أشخاص للتحقيق معهم.
وانتشلت السلطات البحرية عددا قياسيا من جثث الغرقى المهاجرين هذا العام، كما يجري اعتراض المئات من مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء يوميا في سواحل صفاقس، ويمتطي هؤلاء قوارب صغيرة حديدية متهالكة في اتجاه الأراضي الإيطالية القريبة ويجري في الغالب إعادتهم على إعقابهم إلى ميناء المدينة.
وبعد ساعات من الإيقاف، يتم إخلاء سبيلهم ليعودوا إلى الشوارع، وتواجه المدينة الاقتصادية اليوم انقساما بشأن أعدادهم المتزايدة.
وقال عصمان ساهو، القادم من غامبيا، لـ(د. ب. أ)، “إن لا علاقة له بالعنف؛ ولكن يضع نصب عينيه هدفا واحدا، وهو الوصول إلى إيطاليا”.
لا تمنح السلطات تراخيص عمل للمهاجرين غير النظاميين؛ ولكن عصمان يعد من بين المحظوظين الذين نجحوا في الحصول على فرصة عمل في السوق بتجارة الملابس المستعملة.
وقال مشغله إن ليس له اعتراض على تشغيل المهاجرين طالما يؤدون عملهم بشكل جيد، إضافة إلى أن المدينة تواجه نقصا في اليد العاملة في عدة مهن بات العمال التونسيين يهجرونها.
وأضاف التاجر: “هم يأتون هنا من أجل العبور. هم بشر مثلنا. الأهم أنهم يعملون بجد”.
في هذه الأثناء، تجري مناقشات مكثفة بين تونس وشركائها الأوروبيين لمزيد من السيطرة على التدفق الكبير للمهاجرين عبر السواحل التونسية عبر حزمة مساعدات مالية واقتصادية؛ لكن الرئيس قيس سعيد قال إن تونس لا تريد أن تلعب دور الحارس المتقدم للسواحل الأوروبية، كما يطالب بمؤتمر يجمع دول المنطقة بشمال وجنوب المتوسط ودول الساحل والصحراء من أجل التوصل إلى حل جماعي.
المصدر: وكالات