منذ بداية الأسبوع الجاري، تتسارع الأحداث في جماعة تازة بعد إنهاء عامل الإقليم مهام رئيس المجلس الجماعي، عبد الواحد المسعودي، عن حزب الأصالة والمعاصرة، وفقاً لمقتضى المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات، وذلك بإشعاره بأنه تم توقيفه عن ممارسة مهام رئيس وعضو المجلس الجماعي لتازة، إلى حين البت في طلب العزل من طرف المحكمة الابتدائية بفاس، ابتداء من تاريخ 24 شتنبر 2024.
جاء هذا ضمن وثيقة رسمية صادرة عن عمالة إقليم تازة، تحمل توقيع العامل مصطفى المعزة، “تكذّب وتَنسِف” ما رَوّج له المسعودي في الأوساط المحلية عن “تقديم استقالته”، محاولاً الالتفاف على قرار عامل الإقليم الذي أشعره بتوقيفه عن ممارسة مهامه في مراسلة كتابية وُجهت إليه “تحت إشراف باشوية مدينة تازة”، طالعت جريدة هسبريس الإلكترونية نسخة منها.
ومباشرة بعد “إشعار التوقيف عن المهام” تأكد لهسبريس أن “شعبة قضاء الإلغاء والتعويض لدى المحكمة الابتدائية الإدارية بفاس ستبتّ في ملف عزل عبد الواحد المسعودي، الذي يحمل رقم 289/7110/2024، يوم 10 أكتوبر المقبل”، بينما استلم نائبه الأول، مؤقتاً، “بعض مهام وصلاحيات التوقيع”.
وحسب مراسلة العامل، فإن “أمر عزل عبد الواحد المسعودي وإحالة ملفه على القضاء الإداري، يأتي بناء على الملاحظات المسجلة من طرف اللجنة التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية (IGAT) بشأن الأفعال المخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل”.
تعميق البحث
في آخر تطورات الملف ومستجداته المتوفرة، علمت جريدة هسبريس الإلكترونية أن الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بفاس (التابعة لولاية أمن فاس) باشرت، بعد حلولها ببعض أقسام جماعة تازة، يوم الثلاثاء 24 شتنبر الجاري، العمل على “تدقيق وافتحاص معمق لبعض الملفات التي شهدت خروقات في التسيير طيلة 3 سنوات الماضية، منذ صعود المسعودي إلى رئاسة المجلس إثر انتخابات شتنبر 2021″، فضلا عن زيارتها ميدانيا للوقوف على بعض المشاريع بالمدينة.
وفق مصادر مطلعة ومعطيات حصلت عليها هسبريس، فإن تحرّك الفرقة الجهوية تزَامَن مع تاريخ صدور مراسلة العامل الرسمية التي تُخبر المسعودي بإحالة أمر عزله على القضاء الإداري في فاس، مشيرة إلى أنها “مهام تعميق البحث والتحقيق قادتْها إلى زيارة أقسام ومصالح بعيْنها تخص مسار صفقات عمومية في مجال الطرق والبنيات التحتية، فضلا عن مصالح القسم التقني لجماعة تازة”.
وتحدثت مصادر هسبريس عن “شبهات تحُوم حول رئيس الجماعة الموقوف، تتعلق أساساً بتضارب المصالح، باعتبار المسعودي مقاولا معروفا بالإقليم في مجال العقار والأشغال العمومية والتجزئات السكنية، فضلا عن تداخل ذلك بمنصبه كمنتخَب جماعي له صلاحية الحسم في معظم الصفقات العمومية المفتوحة”.
هذا التطور اللافت يأتي في وقت كانت هسبريس قد نشرت وفق المعطيات التي توفرت، الاثنين الماضي (23 شتنبر)، خبر إنهاء مهام رئيس المجلس الجماعي، مفيدة بأن “قرار تجريد رئيس جماعة تازة من صلاحياته ومهامه كرئيس للمجلس الجماعي لتازة، جاء على خلفية نتائج لجنة من المفتشية العامة للإدارة الترابية (IGAT) التابعة لوزارة الداخلية، كانت قد حلّت ضمن مهام تفتيش وافتحاص وتدقيق سابقة قادَتْها إلى مقر الجماعة طيلة شهر ونصف، بين فبراير ومارس 2024”.
كما جاء توقيف المسعودي، الذي يحمل أيضا صفة نائب برلماني وقيادي بارز محلياً في حزب “البام”، “على خلفية اتهامات تتعلق بخروقات عقب سلسلة افتحاصات وتدقيق أجرتها مفتشية وزارة الداخلية التي حلت بمقر جماعة تازة شهر فبراير الماضي، والتي كشفت عن تجاوزات خطيرة في التسيير”.
المعارضة: قرار متأخر
ثمَّن مصدر من مستشاري المجلس الجماعي لتازة عن أحد فرق المعارضة، “مرور وزارة الداخلية إلى تفعيل المادة 64 من قانون الجماعات لإنهاء مهام رئيس جماعة تازة”، معتبرا أنه “قرار كان يجب أن يصدر قبل مدة كبيرة، لأنه أمر معقول”، مفسرا ذلك بأن “الرئيس قام بمجموعة من الممارسات السافرة ومشاكل في التدبير لا تخضع لأي منطق”.
وقال المصدر ذاته الذي تحفظ على ذكر هويته: “نحن كمعارضة كنا دوماً نثير الانتباه إلى هذه التجاوزات خلال دورات المجلس المتعاقبة ، ما انعكس سلباً على واقع وأحوال مدينة تازة في ظل ولاية المجلس الجماعي الحالي، وهذا أمر يعرفه الجميع”، مشيداً بما “خلصت إليه نتائج لجنة الافتحاص عند زيارتها من تجاوزات لا يمكن غض الطرف عنها”.
وتابع الفاعل المحلي من المعارضة معبرا عن أمله “أن يتجاوز الأمر مجرد العزل إلى المحاسبة الحقيقية ليكون عِبرة للفاعل السياسي المدبر للشؤون العمومية المحلية”، لافتا إلى أنها “أول مرة في تاريخ مجلس جماعة تازة تصل فيها الأمور إلى العزل والمحاكمة”، مطالبة بـ”توسيع وتعميق التحقيقات والأبحاث الجارية في فجوة كبيرة لتضارب كبير في المصالح مع الخلط بين المشاريع الخاصة (الشخصية) ومشاريع المدينة”.
توسيع المحاسبة
نسَجَ حسن عريض، رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتازة، رأيه، مبرزا أن “الجمعية وعموم المجتمع المدني المحلي بتازة لاحظا أن المدينة عرفت تدهورا كبيراً في ظل ولاية التدبير الحالية خلال السنوات الثلاث الماضية”، معددا اختلالات أبرزها “ضعف الإنارة في بعض الأحياء وهشاشة البنيات التحتية، خصوصا الطرق، فضلا عن تبديد وهدر المال العام (مثلا في كراء مقر المقاطعة الثانية)، وعدم الوفاء بالتزام الرئيس بفتح السوق الأسبوعي وإيجاد حل للباعة الجائلين”.
كما أثار عريض، في تصريح لهسبريس، أن “فك الاكتظاظ عن شريان المدينة عبر الطريق الوطنية رقم 6 بين فاس ووجدة، يدفع ثمنه مواطنون نتيجة تأخر مشروع الطريق المدارية”.
في سياق متصل، أشاد عريض بما وصل إليه تقرير لجنة مفتشية الداخلية، مستحضرا “ملفات سابقة مازالت تطارد عبد الواحد المسعودي، أبرزها تقرير عن فترة رئاسته للمجلس الإقليمي الذي رصد اختلالات كبيرة للتدبير المالي (تناهز 2 مليار درهم)”.
ولفت الفاعل المدني والحقوقي ذاته إلى أن “المعني بالاختلالات ليس الرئيس وحده، بل أعضاء ونواب له من المجلس الجماعي الحالي”، مثيرا إشكاليات عششت في قطاعات التعمير، فضلا عن شبهات تضارب المصالح في تسيير وتدبير صفقات عمومية حاسمة بالنسبة لتنمية المدينة”.
ونادى رئيس “فرع AMDH” بتازة بمطلب “المحاسبة الشاملة وعدم الإفلات من العقاب بالنسبة لنواب الرئيس، مع تفعيل مسطرة العزل وتقديمهم للعدالة، كلٌّ حسب المنسوب إليه من الاختلالات والتجاوزات التي وُصف بعضها بالجسيمة من طرف وزارة الداخلية؛ لأن الأمر يتعلق بجرائم ذات طبيعة مالية واقتصادية بأبعاد اجتماعية”.
وختم عريض بأن “الجمعية وباقي الغيورين على الشأن المحلي وتنمية مدينة تازة مازالوا يتابعون بقلق بالغ خروقات كبيرة شابت فترة تسيير المسعودي لجماعة تازة عبر أغلبية شهدت مطبّات وتوقفات نتيجة البلوكاج السياسي في المجلس، فضلا عن بروز صراعات إلى العلن أحيانا”.
المصدر: وكالات