يبدو أن هذه “الدينامية الصّاعدة” بمراكش وأزقتها على مستوى مناطق كثيرة باتت تجهض العديد من المحاولات الإعلامية المغرضة التي “تنوي تهشيم صورة المدينة، واستغلالها في فرنسا لتصفية الحسابات السياسية مع المغرب”، كما يقول فاعلون في المجال السياحي، التقت بهم جريدة هسبريس بمختلف الفضاءات السياحية الحيوية بالمدينة الحمراء طيلة الأيام القليلة الماضية.
ساحات مراكش تعرف “نهضة” سياحية، تحاول إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي تدريجيا، رغم إشهار ورقة “الكساد”، التي كانت لوهلة تؤرق بال المهنيين. ويظهر للكثيرين أن الزيارات المتنامية من الأجانب، الذين ينعشون “مدينة النخيل”، بوصفها من المدن السّياحية العالمية، طمأنت الفاعلين في القطاع؛ وهو ما تبين حقيقة لنا بعد لقاء العديد من الأجنبيات اللواتي عبرن جماعةً عن أن “مراكش هي هي، ولم يغيرها الزلزال أو أي شيء آخر”.
لا شيء تغير..
في الأزقة والشوارع التقينا العديد من السائحات والسياح الأجانب، لكن السائحات بدوْن أكثر شجاعة وجرأة في للتعبير عن حبّهنّ العميق لمدينة تصرّ على أن تشبه نفسها وأن تتحلى بققل تاريخها. وكانت ليسيلي المنحدرة من فرنسا أول من صادفتها الجريدة بالقرب من حديقة ماجوريل، حيث أوضحت أن “صورة مراكش لم تتغير قط بالنسبة إليها”، موردة: “أقطن بمراكش منذ سنة ونصف، ويوم الزلزال وما تلاه كان الجميع تحت وقع الصدمة”.
وأردفت السائحة التي تحدثت بلطف فائق وتقدير كبير للمغاربة: “في الأيام الأولى لم نستطع التحكم جيداً في مشاعرنا، لكن بسرعة عادت الحياة إلى طبيعتها. الكل عاد إلى عمله كأن لا شيء حدث”، مضيفة: “المغاربة أثبتوا قدرتهم الرهيبة على الصبر والمقاومة، وكما يقولون ‘الحمد لله’ على كل ما حدث، وعبروا عن حس تضامني لم أر مثيلا له في دولة أخرى من قبل؛ هذا جعلني أُغرم أكثر بالمغاربة والمغرب ومراكش”.
ونتحرك نحو حي جليز، الذي يعرف بدوره حركية كبيرة للسياح على مستوى شارع محمد السادس خصوصا، وقرب ساحة أوبرا، فنلتقي سائحة فرنسية هي الأخرى، تسير رفقة زوجها؛ نستوقفها لنتبين هل نفذت ما اعتبرها مهنيون “دعاية فرنسية مغرضة” إلى أعماق السياح الفرنسيين بالمغرب، لتجيب بشكل يتقاطع مع ليسيلي بأن مراكش حافظت على صورتها ولم تتغير إطلاقا باعتبارها عنصرا ثابتا في بورصة السياحة عالميا.
وقالت السائحة التي تدعى أليسيا: “منذ ست أو سبع سنوات نأتي إلى مراكش كلما كان بإمكاننا ذلك. أنا وزوجي نحب هذه المدينة حد الجنون؛ جئنا في يونيو وعدنا الآن، وسنأتي مرارا إلى هنا. هذه المدينة لديها مقومات الحداثة، والناس فيها مضيافون للغاية”، وزادت: “خلال الأيام الأربعة الأولى بعد الزلزال صراحة تخوفنا ولم نستطع مغادرة الفندق، لأننا أحسسنا أننا بأمان داخله”.
وأوردت الزائرة الفرنسية ذاتها، التي تقضي عطلتها بمراكش غير عابئة بما حدث قبل أسبوع: “لاحظنا عندما بدأنا نخرج أن هناك جهودا حثيثة لإصلاح الأعطاب التي حدثت على مستوى العديد من البنايات، وهذا يبعث نوعا من الاطمئنان”؛ وتواصل: “نريد أن تعود الحياة أكثر لهذه المدينة، ولكن طبعا لسنا نحن الذين تضررنا، بل قلوبنا مع الذين فقدوا بيوتهم بالمناطق المنكوبة بشكل أحزننا جميعاً”.
رغبات في العودة
حين وصلت هسبريس مجددا إلى قرب ساحة جامع الفنا، وتحديدا بالفضاءات المتاخمة لمسجد الكتبية، اتضح أن السياح مازالوا يعيدون تدوير “الربيع السياحي” الذي تعرفه المنطقة في هذه الفترة من السنة؛ وهنا صادفنا سائحة وافدة من إسبانيا تسمى تمارة، قالت: “في الحقيقة كنت أخطط للمجيء، خصوصا لمراكش والصحراء، وقررت العودة إلى المغرب حاليا لكون هذه هي الفترة التي يحتاجها القطاع السياحي، فهي مهمة هنا كثيرا”.
وتشير تمارة بأصبعها نحو الكتبية وتقول: “هذه المعلمة تذكرني بجامع الخيرالدا بإشبيلية؛ ولعلّ هذا نوع من التّرابط والاتصال بين الإسبان والمغرب، وخصوصا مراكش”، مسجلة بحماس واضح أنها ستعود إلى هنا وستقترح هذه المدينة على العديد من معارفها وأصدقائها، وزادت: “أريد فقط أن أكتشفها أكثر، وأتصور أن عطلتي تنتهي الآن، ومرة أخرى سأعود إليها لأجل مراكمة المزيد من الذكريات بها”.
وغير بعيد عن الكتبية، لم تتردد السائحة الإيطالية دورينا في الحديث إلى هسبريس عن الزلزال والزيارة في هذه الفترة، كاشفة أنها قررت المجيء لمراكش رغم الفاجعة بعدما تأكّدت أن العديد من المرافق والمناطق الأساسية لم تتضرر، وأيضا الفندق الذي تقيم فيه هي وصديقها، وزادت موضحة: “هذا كان مطمئنا، كما كان أيضا صعبا أن نلغي رحلتنا، فقررنا المجيء. المدينة جميل وأحببتها رغم أنني أزورها للمرة الأولى”.
وشددت المتحدثة ذاتها على أنه “ليست هناك أضرار كبيرة على مستوى العديد من الفضاءات التي كانت تودّ زيارتها”، لافتة إلى أن “هناك الكثير من الأشياء لفعلها، والكثير من الأماكن المثيرة للاهتمام التي تستحق الزيارة، ومردفة: “مراكش لم تحطم أفق انتظاري، فقد وجدتها فعلا كما رأيتها في الصور وكما تخيلتها، خصوصا المدينة القديمة”؛ وختمت: “بعض المناطق تضررت، لكني سآتي دائماً إلى هذه المدينة الساحرة”.
وبالقرب من عرصة مولاي عبد السلام تكون سايا من ألمانيا، التي كانت تبحث في الخريطة عن ركن ما بمراكش، آخر من نصادفها، لنطرح عليها السؤال ذاته: “كيف هي مراكش في تصورك قبل وبعد الزلزال؟”، لتؤكد الجواب ذاته: “هي هي”، بحيث أوردت أنها جاءت إلى المدينة لكونها، هي وصديقها، تحدثا مع العديد من الفاعلين في الصويرة والرباط وشفشاون، وأكدوا لهم أن “الأوضاع بالمغرب بخير ولا شيء يدعو للقلق”.
وأوردت السائحة صاحبة العيون الآسوية أنّ “مراكش مدينة سياحية، والعديد من سكانها يعيشون من هذا القطاع، ومن الجيد أن يأتي السياح في هذه الفترة”، مشيرة إلى أن بعض المشتغلين في الرياض حيث تقيم أخبروها بأن العديد من الحجوزات تم إلغاؤها، لكنها قررت أن تأتي دعما للسياحة “كشكل تضامني مع المغاربة في المحنة التي عاشوها لأسبوع، ويبدو أن معالمها بدأت تضمحلّ نحو شكل جديد للحياة”.
المصدر: وكالات