في عالم السياسة المغربية، هنالك شخصيات انبعثت من الرماد لتحلق عاليا وتخطف الأضواء والنجاح، في وسط حلبة كان المتعارف أنها حكر على أبناء المغرب النافع، ومن أبرز من تحدوا هاته القاعدة وكسروا العرف هما ابنا الريف الكبير إلياس العماري وفوزي لقجع، فما المشترك الذي يتقاسمه هذان الرجلان؟
ما يميز لقجع والعماري ليس فقط انتماؤهما للريف أو عشقهما لكرة القدم، وليس فقط توليهما قيادة فريقي مدينتهما الأصلية في البطولة الوطنية. بل في بعض اللحظات، يبدو لك كما لو أنهما وجهان لعملة واحدة، فهما يتميزان بالكاريزما التي يمتلكانها والحضور والمواقف السياسية، ويظهران التمرد على التقليدية والتشبث الكبير بأصولهما الجغرافية والهوياتية.
وهذا ما جعلهما يتلقيان القصف نفسه من طرف المدفعيات السياسية والإعلامية نفسها، بتسخير من اللوبي نفسه، الذي ما هو بيمين ولا هو بيسار ولا هو بمحافظ، بل يجمع كل هذه الأضداد تحت شعار: “المغرب لنا لا لغيرنا”.
إن شعار العهد الجديد الذي رفعه الملك محمد السادس فور توليه العرش لم يرق حراس المعبد القديم، الذين كانوا يبتزون العهد السابق بتقديم أبناء الوطن الحقيقيين وأبناء المقاومين على أنهم أعداء العرش والنظام و”مسخوطي الملك”؛ ويقدمون أنفسهم كبدائل ورموز للوطنية مقابل استفادتهم اللامحدودة من موارد الدولة أو “البزولة” كما وُصِفَت في إحدى تصريحات إلياس العماري، فاتجه الملك الجديد لتصحيح هذا الوضع بالانفتاح على المغرب العميق وأبنائه وخصوصا الريف الذي كان يعيش عزلة مفروضة، وتهجيرا ممنهجا لكسر شوكته، إلا أن أبناء الريف قابلوا جحود الوطن بإعطاء دروس في الوطنية والتعلق بالأرض حيث أصبحوا المورد الرئيسي للبلاد بالعملة الصعبة والمشاريع الاستثمارية، كما حرصوا على التعلق بالوطن ولبوا نداءاته كلما دعا إلى ذلك، وما قاله اللاعب المغربي لكرة القدم حكيم زياش ردًا على الصحافة الهولندية عندما استفسرته عن اختياره للمغرب، أنه تبع قلبه ودمه أحمر كعلم الوطن المغربي، يُمثل تمامًا مشاعر جميع أبناء الريف في الخارج.
إن المتضررين من سياسة الانفتاح التي اعتمدها الملك محمد السادس على المغرب العميق، ونهجه للإنصاف والمصالحة، وقراره الحكيم بطي صفحة الماضي، وخصوصا الفتور الذي عرفته علاقة الريف بالقصر بعد أحداث مدبرة وموجهة ممن يستفيدون من هذه الأخيرة، والذين ظلوا يتسابقون لاتهام أي ريفي بالانفصال، ويقومون بإرسال رسائل تحذيرية للملك، تشكك في وفائهم لوطنهم. ولكن دائمًا ما يكون رد الملك حكيمًا على تلك الاتهامات، حيث يقترب أكثر من منطقة الريف ويتواصل مع الشخصيات الريفية. وفي هذا الصدد، نشير على سبيل المثال أنه عندما نلتقي مع اناس في الرباط وخاصة أبناء “المغرب النافع” ونقدم لهم أنفسنا بكوننا مواطنين من منطقة الريف يجيبوننا بعبارات تحمل في طياتها بكون الريفيين قد استمالوا إليهم قلب وعطف الملك محمد السادس نصره الله. وهو الأمر الذي يبعث على الفرح، لأننا أخيرًا استطعنا أن نثبت أننا نمتلك وطنية قوية، وأن تعلق الملك بالريف هو وسام شرف لنا.
إن مواصلة هذا اللوبي تكثيف قصفه ومحاولة شيطنة كل من يتطلع للعلا من الهامش وخصوصا على منطقة الريف ولا سيما على هذين الرجلين العظيمين، يبين بوضوح أن هذا اللوبي يحمل حقدا دفينا غير مبرر ولا موضوعي يتعرض له هذان الرجلان، إلى درجة أننا كنا نتوقع افتتاحيات وكذا عناوين بعض الجرائد والمواقع التابعة له، بل إن فلتات لسان بعض السياسيين وزعماء الأحزاب الناطقين باسم هذا اللوبي؛ كانت لتصنف جرائم كراهية وتمييز تستحق المساءلة أمام المحاكم الدولية للقضاء، كأن نسمع ونقرأ تصريحات صادرة من طرف مسؤولين كبار من قبيل الدعوة لمحاربة ريفيي الرباط وإبعادهم عن السياسة، إعادتهم لجبالهم…. بدون أي محاسبة.
رغم الهجمات المتواصلة التي شنها اللوبي ضدهما، ألا أن الرجلين استمرا كالجبال التي نشؤوا عليها في مواجهة هذا القصف. فأثبت كل من ابن مربية الدجاج وابن الموظف البسيط أن بإمكانهما أن ينافسا أو يتجاوزا أولئك الذين وُلِدوا وفي أفواههم ملعقة ذهبية، وقد واصل أنصار هذا اللوبي حربه على الرجلين حتى انتقلت الحرب لعقر دار الياس العماري ليتلقى الطعنات من ذوي القربى، بل وتمت محاولة إحراق الريف بأكمله قصد الإطاحة به، في تكرار لسيناريو سنة 1959 عندما عمل أنصار هذا اللوبي على تهيئة الظروف لإحداث المواجهة بين مواطني منطقة الريف والقصر؛ ومازالت تفاصيل تمكن اللوبي من تحوير حراك اجتماعي شعبي شهدته منطقة الريف ضد الحكرة والتهميش والذي كان من المفروض أن توجه سهامه نحو الحكومة والحزب الحاكم، لكن اللوبي المذكور استغل هذه الظروف كأداة لضرب رموز المنطقة واغتيالهم معنويا، فأسقط بذلك الرجل الشامخ، إلياس العماري، من القمة، ليطوي (مؤقتا) صفحة نجاح أسال مدادا كثيرا. ومن ثمة سيجد فوزي لقجع نفسه بدوره في مواجهة النيران. كيف لا وهو ابن الجبل الذي تطاول على منصب يعتقد البعض أنه مكتوب باسمهم، فتوالت الكتابات والنداءات والتقارير والهتافات مطالبة بإقالته وإبعاده، بل وشككت في وطينته كما فعلت مع إلياس العماري سابقا، فحتى دفاعه المستميت عن اللاعب الكبير حكيم زياش دفع بهذا اللوبي إلى اتهامه بالقبلية والتعصب لمنطقته، ولحسن حظ هذا الرجل لم تتمكن منه تلك الأطراف المناهضة له ولم تتسلل إلى منطقته أو تؤلب أهله عليه، فأخرس الأفواه بنجاح يتلوه نجاح، حتى صار اسمه يتردد في عموم إفريقيا وخاصة من طرف أعداء بلادنا أكثر مما يتردد اسم رئيس الحكومة نفسه.
إن فوزي لقجع نجح في ما فشل أو أفشل فيه إلياس العماري، وحفظ حبل الود بين الملك والريف الكبير وصار سفيرا للريف في المركز. إن نجاح فوزي لقجع في ميدانه سواء في مسؤوليته الوزارية بالميزانية أو بالجامعة الملكية لكرة القدم، يؤكد أن المغرب قوي بأبنائه وأنه بحاجة إليهم كلهم دون تمييز أو تفاضل، وهذا يزيدنا يقينا على أنه لولا إفشال إلياس العماري لحقق الرجل بدوره نجاحات مماثلة في موقع رئيس الحكومة. خاصة وأنه قد ظهرت بوادر نجاحه في إدارة جهة طنجة الحسيمة، ولكن للأسف توقفت هذه الفرصة بشكل مؤقت.
الريف هو ذلك الطائر الأسطوري الذي يعود إلى الحياة من بين الرماد، ليحلق في السماء كلما حاول أعداؤه إحراقه وتدميره. سيعود الريف برجاله ليحلق مجددًا، لأنه لا يمكن تصور المغرب بدون الريف، ولا يمكن وجود الريف إلا في حضن الوطن. وسوف تظهر وطنية أبنائه بوضوح في مواجهة الانتماءات الوطنية الزائفة والمصطنعة.
إن الثنائي إلياس العماري وفوزي لقجع هما التعويذة السحرية، التي يمكن أن تغير كثيرا من قواعد اللعبة وتقود المغرب نحو العهد الجديد الذي طالما دعا إليه وأنشده جلالة الملك منذ توليه العرش، مغرب تمتد جذوره بعمق إفريقيا وتزهر أغصانه بقلب أوروبا، مغرب معتز بـ”تامغرابيت” وتاريخه وهويته وبجميع أبنائه الذين يشكلون جزءًا لا يتجزأ من هذا الوطن. إن كل حبة رمل في أرض المغرب رويت بدماء أجدادنا منذ الأزل.
المصدر: وكالات