أفردت وثيقة العدل والإحسان بعض فقراتها للتطرق إلى وضعية التنظيمات الحزبية والنقابية والجمعوية داخل المنظومة السياسية بالمغرب خلصت فيها إلى تأرجحها بين التعددية والتدجين
التنظيمات الحزبية بين التعددية وضعف التأطير
رغم تبني المغرب لنظام التعددية الحزبية منذ الاستقلال، فقد انخرط نظام الحكم بالمغرب في مواجهة ممنهجة مع أحزاب السياسية الوطنية، لتدجينها وإضعافها من خلال اللجوء إلى أساليب الاختراق أو تشجيع الانشقاقات وافتعالها، أو تأسيس أحزاب موالية؛ بغية التحكم في الخريطة السياسية وإخضاعها للضبط المخزني، وذلك للحفاظ على نظام الحكم واستقراره واستمراريته. كما ترى الوثيقة أن الأحزاب بدورها قد ساهمت في إضعاف نفسها من خلال تغييب قواعد الديمقراطية الداخلية، وانتشار ظاهرة الترحال السياسي، وتأثير البلقنة الناجمة عن القوانين الانتخابية.
ومن نتائج هذا الواقع السياسي تراجع الأداء الحزبي، حيث أضحت بعض الأحزاب أداة لتكريس واقع الاستبداد، برضوخها لسلوكيات سياسوية هجينة ولمنطق التشرذم. فأصبحت الساحة الوطنية تعج بالعديد من الأحزاب السياسية التي تتشابه برامجها رغم اختلاف مرجعياتها، مما أدى إلى تراجع دورها في التأطير والتوعية السياسية.
وبالتالي، تقترح وثيقة الجماعة أن يتم تحديث العمل الحزبي وتطويره وإعادة الاعتبار له، من خلال ما يلي:
– ضمان حرية تأسيس الأحزاب السياسية من خلال اعتماد فعلي لمبدأ التصريح وطبقا للقانون، مع توفير ضمانات استقلالية القضاء عند فصله في كل ما يتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية ونشاطها وحلها.
– اعتبار الحزب السياسي أداة لممارسة السلطة والحكم عبر انتخابات حرة ونزيهة.
– توفير الظروف الملائمة لمزاولة الأحزاب لأنشطتها السياسية من أجل إعادة الاعتبار العمل الحزبي ومحاربة الصور النمطية التي تحاول السلطة تكريسها.
– تعزيز الديمقراطية الداخلية وتشجيع الشباب والنساء على المشاركة في مراكز القرار داخل الأحزاب.
– ضمان استقلالية القرار الحزبي وعدم منع تنظيم الأحزاب السياسية لأنشطتها، وجعل احترام الدستور والقانون هو المعيار الوحيد لذلك.
– ضمان الحق في التواصل الحر للأحزاب السياسية مع المواطنين، والحق في الفضاءات العمومية والإعلام، والعدالة في توزيع الدعم العمومي.
– وضع آلية صارمة لضمان الشفافية المالية للأحزاب السياسية.
التنظيمات النقابية بين التضييق والتشرذم
سلكت السلطة في إضعافها للنقابات قمع المناضلين النقابيين والتضييق عليهم، وخنق حرية العمل النقابي، واستقطاب النقابات وإضعافها، والاستعانة ببعضها في تمرير سياساتها ضد العمال. بالإضافة إلى ذلك تعاني بعض النقابات من غياب الديمقراطية الداخلية، حيث تفرض القرارات بشكل فوقي، ويعمد إلى إسكات الأصوات المعارضة واستبعادها، وإلى التعامل بانتهازية مع المطالب العمالية. وقد أسهم هذا الواقع في تشتت النقابات وتشرذم المشهد النقابي، وتراجع ثقة الأجراء في إطاراتها، وضعف مصداقية العمل النقابي والانخراط فيه.
وبالتالي، تدعو وثيقة الجماعة إلى تجديد روح الحركة النقابية من خلال تجاوز منطق الصراع المنتصر للمصلحة الخاصة إلى منطق التعاون لتحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف، مع تنسيق الجهود بين النقابات والدولة والقطاع الخاص في إطار حوار اجتماعي حقيقي وعادل وممأسس ومنتج. كما ترى الوثيقة ضرورة تطوير مجالات الاشتغال النقابي لتشمل إلى جانب المجال المطلبي، المجال التكويني، والمساهمة في تنمية للوعي السياسي والقانوني للمنخرطين، وتحسين المجال التواصلي للنقابات دون إغفال التربية الخلقية والقيمية للمناضلين داخل النقابات.
ومن أجل النهوض بالتنظيمات النقابية ودفعها للقيام بالأدوار المنوطة وإعادة الاعتبار للعمل النقابي وتقويته، تقترح الوثيقة ما يلي:
– تكريس مبدأ حرية العمل النقابي، وذلك عبر الإعمال الفعلي لمبدأ التصريح بتأسيس النقابات.
– حماية ممثلي العمال والمأجورين من التضييق والتسريح والطرد، واعتبارهم جزءا لا يتجزأ من مؤسسة العمل، والسماح للعمال والموظفين بحقهم الدستوري في ممارسة الاضراب، وحرية فعلهم النقابي دون منع أو تضييق.
– ضمان استقلالية النقابات في اتخاذ القرار من داخل هياكلها بشكل ديموقراطي، ومقاومة كل اختراق خارجي من طرف الإدارة أو غيرها.
– تكريس ديمقراطية حقيقية داخل النقابات بشكل يقطع الطريق على الانتهازية والبيروقراطية،
– التوجه نحو تأسيس جبهة نقابية مناضلة وموحدة، وذلك عن طريق تنسيق قوي ومؤثر بين النقابات، خصوصا في الملفات الكبرى، من أجل تجاوز عقبة التشرذم النقابي، وتقوية جبهة الدفاع عن مصالح الأجراء، وإرجاع المصداقية والثقة للعمل النقابي، والإسهام في بناء حركة اجتماعية قوية وفعالة في مواجهة كل التحديات.
– تجديد الأطر النقابية، من خلال تشجيع المرأة العاملة على الانخراط الفاعل في التنظيمات النقابية، وتحمل المسؤولية في مؤسساته، واستيعاب أفواج اليد العاملة الشابة التي تلج سوق الشغل، وذلك عبر حسن تأطيرها وتكوينها، وفتح المجال أمامها لتحمل المسؤولية في تعبئة الطبقة العاملة وقيادة نضا لاتها.
* الحفاظ على البعد التحرري للعمل النقابي، إذ جمعت الحركة النقابية المغربية قبل خروج المستعمر بين الكفاح من أجل التحرر والنضال النقابي المطلبي، وحاولت بعد ذلك الانخراط في معركة بناء الدولة، كما دعمت الحركات التحررية والقضايا العادلة في العالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
– جمعيات المجتمع المدني بين التبعية والمصلحية
عرف المغرب تطورا كميا للجمعيات في السنوات الأخيرة، إذ تجاوز عددها 200.000 جمعية. لكن هذا الحضور الكمي لم يمنع من تسجيل خفوت على مستوى الفعل والتأثير داخل المجتمع بمختلف مكوناته النسائية والشبابية وغيرها. وقد أرجعت الوثيقة هذا الوضع إلى عدة أسباب من أهمها تبعية العديد من الجمعيات للسلطة، وتوظيفها لأهداف سياسية، أو خدمة مصالح خاصة، وهو ما جعل الكثير من هذه الجمعيات جزءا من المنظومة القائمة، تنهل بدورها من الريع والفساد، عوض أن تكون رافعة للتثقيف والتوعية.
أما الجمعيات التي تحاول الحفاظ على استقلاليتها، فإنها تتعرض باستمرار لعدة تضييقات إدارية وسلطوية.
وبالتالي، من أجل دعم الدور التثقيفي والتنموي للجمعيات للترافع حول قضايا التنمية والسياسات العمومية، تقترح الوثيقة ما يلي:
– إصلاح المنظومة القانونية المتعلقة بالحريات العامة، وتيسير المساطر الإدارية المتعلقة بحرية تأسيس الجمعيات.
– توعية المواطنين وحفزهم على الخدمة العامة، باعتبارها شرطا من شروط المواطنة،
– تأهيل الموارد البشرية والرفع من القدرات المؤسساتية للجمعيات.
– تكريس الديمقراطية الداخلية والشفافية المالية داخل الجمعيات، وفرض المساءلة والمحاسبة.
– الحرص على تكافؤ الفرص بين الجمعيات في ما يتعلق بالاستفادة من إمكانيات التمويل العمومي والأماكن العمومية الخاصة بممارسة الأنشطة الجمعوية.
– التأسيس لعلاقة الجمعيات مع الدولة على أساس الشراكة والتكامل.
– توسيع آليات مساهمة هيئات المجتمع المدني في إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، وتقديم اقتراحات حلول للدولة ومؤسساتها.
– ضبط الشراكات الدولية للجمعيات بما يضمن استقلاليتها عن الخارج.
المصدر: وكالات