نقاش واسع طال واقعة التحرش الجنسي الجماعي من طرف قاصرين بفتاة ترتدي تنورة قصيرة في أحد شوارع مدينة طنجة، نهاية الأسبوع الماضي، إذ تفاعل حقوقيون ومختصون في القانون مع الواقعة، وجرى تداول مجموعة من الآراء بين من عالج الموضوع من زاوية مرتبطة بالجانب الأخلاقي والقيمي ومن اختار زاوية صِرف قانونية عبر بسطِ ما تنص عليه المنظومة الجنائية الوطنية في مثل هذه الأفعال وكيفية تكييفها باستحضار سن المتورطين فيها.
في هذا الصدد، قال محمد ألمو، محام بهيئة الرباط خبير قانوني: “نحن في نهاية المطاف أمام جناية تصل عقوبتها القصوى إلى عشر سنوات، وفقا للنصوص القانونية، حيث إن هناك خطأ متداولا بخصوص التكييف القانوني لهذا الفعل ذي الصبغة الإجرامية المرتكب من قبل هؤلاء المراهقين، في وقت ذهبت أغلب المنشورات نحو اعتبار الفعل تحرشا جنسيا”.
مفصلا في الموضوع من زاوية قانونية إجرائية، أورد ألمو، في تصريح لهسبريس، أنه “يتعين بداية تفكيك العناصر المادية التكوينية لهذا الفعل، بداية بالترصد المسبق للفتاة بنية ارتكاب الفعل وتوثيقه عبر التصوير، فضلا عن نزع تنورتها بالقوة بغرض الكشف عن مؤخرتها، ثم لمس المؤخرة باليد باستعمال العنف وفي غياب رضى الضحية التي أبدت مقاومة عنيفة؛ فالمكان المستهدف يبقى حميميا وجنسانيا، مما يؤكد ظاهريا نية الفاعل استهدافها جنسيا وهتك عرضها بالقوة”، حسب تعبيره.
نصوص قانونية
المحامي بهيئة الرباط ذاته أحال على مقتضيات الفصل 485 من القانون الجنائي الخاص بجريمة هتك العرض بالعنف، الذي ينص على أنه “يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص، ذكرا كان أو أنثى، مع استعمال العنف”.
كما أشار إلى الفصل 1.1.503 من القانون رقم 103.13 الخاص بـ”محاربة العنف ضد النساء”، الذي ينص بدوره على أنه “يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 درهم إلى 10 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية: الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية…”.
وزاد الخبير القانوني: “رغم أن المشرع المغربي لم يُعرف جريمة هتك العرض لكن العمل القضائي المتواتر من خلال تطبيقات الفصلين 485 و484 من القانون الجنائي أجمع على أن هذه الجريمة تتحقق بمجرد الاستهداف الجنسي لجسم الضحية دون توفر فعل الإيلاج كملامسة الأعضاء الحميمية، تمييزا عن جريمة الاغتصاب التي تتحقق بالإيلاج والمُواقَعة مع غياب رضى الضحية “، مبرزا أن “جريمة التحرش الجنسي تتحقق بالمضايقة، أي افتراض وجود مسافة بين الضحية والفاعل وعدم المساس بجسدها”.
تكييف النازلة
وذكر المتحدث أنه “في إطار التمييز بين الجريمتين، فإن جريمة التحرش الجنسي قد تتحول إلى هتك العرض إذا انتقل الفاعل من المضايقات إلى المس المباشر بالأعضاء الحميمية للضحية؛ فمثلا شخص يقوم بإشارات جنسية لفتاة تمر بجانبه في الشارع يعتبر فعله تحرشا جنسيا، في حين إذا مد يده إلى صدرها أو مؤخرتها ومس جسدها، فإن ذلك يعتبر هتكا للعرض”.
ألمو بيّن كذلك أن “هذا التكييف أشد من حيث العقوبة والمسطرة على الفاعل؛ فالتحرش مجرد جنحة لا تتجاوز عقوبتها ستة أشهر، بينما هتك العرض بالعنف يعد جناية تصل عقوبتها إلى عشر سنوات باعتبار أن توثيق الفعل يشكل ظرف تشديد”.
وجوابا عن سؤال حول مدى إمكانية استفادة المشتبه فيهم من ظروف التخفيف احتكاما لسنهم الذي لا يصل إلى سن الرشد الجنائي، اعتبر المحامي بهيئة الرباط أن “مثل هذه الأفعال تعتبر جنايات من الناحية القانونية، في حين فيما يتعلق بطبيعة المحاكمة، فإنه بإمكانهم الاستفادة من ظروف التخفيف على الرغم من كون الواقعة جناية في نهاية المطاف، وذلك بالنظر إلى سنهم، ما سيساهم في تخفيض الحكم إلى مدد متدنية”، حسب تعبيره.
وتابع: “إذا تعمقنا في هذه النازلة أكثر وثبت أن هناك اتفاقا أو تعاونا جماعيا بين المتورطين من أجل مضايقة الفتاة ولمس أجزاء حميمية من جسدها، فإننا سنكون أمام تكوين عصابة إجرامية بمقتضى القانون، في حين يمكن من جهة ثانية أن يكون الأمر مجرد صدفة، وهو ما يدخل البت فيه ضمن اختصاص القضاء في نهاية المطاف”.
المصدر: وكالات