قالت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن “موضوع الوقاية من التعذيب يشكل أحد أهم القضايا التي تشغل الفاعلين والمهتمين والمتابعين للشأن الحقوقي، سواء على الصعيد الدولي أو الوطني، ودائما ما أثارت التحديات التي تطرحها نقاشات واسعة بحثا عن صيغ تحسين ظروف الحرمان من الحرية وحماية كرامة الإنسان والانتقال من مرحلة مناهضة التعذيب المنصوص عليها في مقتضيات الاتفاقية ذات الصلة إلى مرحلة فعلية الوقاية من التعذيب”.
وأضافت بوعياش، في كلمة ألقتها في افتتاح أشغال المؤتمر الإقليمي حول “دور المؤسسات الأمنية في الوقاية من التعذيب: تجارب وتحديات في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط”، أن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان ترسخت لديه، بحكم استرشاده الدائم بالمواثيق الدولية والمرجعيات الدستورية ذات الصلة بالموضوع، قناعة بالحاجة إلى تعزيز الحس الاستباقي الحقوقي والانفتاح على مجمل الفاعلين لتقوية الفهم المشترك والمسؤول للمعايير ذات الصلة والنهوض بالممارسات الفضلى بما يفتح آفاقا جديدة للحكامة الجيدة، بما فيها الأمنية”.
وذكّرت المتحدثة بأنها “بادرت في مستهل ولايتها سنة 2019 بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان بإطلاق دينامية مبنية على الوقاية والحماية والنهوض، وحرصت على جعلها قادرة على التكيف مع التحديات الناشئة، لوعيها التام بكون أي دينامية، مهما بدت فعالة في ظاهرها، لا يمكنها أن تنأى عن التجويد والتحصين ضد كل ما قد يهدد فعليتها”.
وأكدت آمنة بوعياش أن “إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان شكّل لبنة أساسية في جهود تعزيز ضمانات احترام حقوق الإنسان وتفعيل خارطة الطريق الحقوقية التي أرساها دستور 2011″، مشيرة إلى “الاهتمام الخاص الذي حظي به مسلسل إحداث منظومة تجمع بين الرصد والتوثيق والتحري والاستجابة السريعة ونشر ثقافة حقوق الإنسان، مع الحرص على التفاعل مع آليات المنظومة الدولية، بما فيها اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب”.
وقالت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إن “اتفاقية الشراكة والتعاون المؤسساتي التي وقعها المجلس مع المديرية العامة للأمن الوطني، باعتبارها خيارا طوعيا وممارسة مضيئة لتعاون المؤسسات الوطنية، تبرز تجربة فضلى من صميم الفعل الوطني الحقوقي، وهي إحدى آليات الانخراط الطوعي والجماعي لترسيخ قواعد الحكامة الأمنية كمرتكز لتعزيز فعلية الحقوق”.
وأوضحت أن “اتفاقية الشراكة والتعاون المؤسساتي مع المديرية العامة للأمن الوطني، على سبيل المثال لا الحصر، تركز على تطوير العمل المشترك مع مصالح الأمن الوطني بغرض النهوض بثقافة الحقوق في مناهج التدريب والتكوين وجعلها مرجعا ودليلا مؤطرا لمهام موظفي وموظفات الأمن الوطني المكلفين بإنفاذ القوانين، وتدعم الجهود التي تبذلها المؤسسة الأمنية لتحسين الحكامة الأمنية ولتعزيز الممارسات المهنية والتدخلات الميدانية استنادا إلى المعايير الوطنية والدولية في المجال”.
وذكّرت آمنة بوعياش بأن “الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب قدمت توصيات تهم تطوير الممارسات الفضلى وحفظ كرامة الأشخاص في أماكن الحرمان من الحرية وحمايتهم ومواصلة تعزيز قدرات العاملين بها، وتحسين قواعد التتبع والتدبير وتطوير جهود الرصد بالغرف الأمنية، وبناء على القناعة بأن الوقاية عمل تكاملي يروم تكريس ثقافة الحكامة الجيدة وتنزيل التوصيات المقدمة من أجل تجاوز الأسباب الجذرية التي قد تؤدي للتعذيب وسوء المعاملة”.
وأكدت أن “حصيلة عمل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب جد إيجابية ومشجعة، حيث سجلت نسبة تتراوح ما بين 80 و90 بالمئة من حيث التفاعل مع توصياتها، سواء من طرف إدارة السجون أو مديرية الأمن الوطني أو الدرك الملكي، وتشكل هذه النتائج حافزا من أجل المضي قدما في القضاء على كل ما من شأنه أن يمس كرامة الإنسان في المغرب”.
وبعدما قالت بوعياش إننا “نعمل ضمن مقاربة صفر تسامح مع التعذيب أو المعاملة القاسية والمهينة والحاطة بكرامة أي فرد، كهدف أسمى”، أشارت إلى أن “الحديث عن الوقاية من التعذيب يعني كذلك الحديث عن الإكراهات التي تطرحها والقضايا التي تثيرها، فالعمل الوقائي هو، قبل كل شيء، عمل يقوم على الملاحظة ويسعى إلى تحويل خلاصاتها إلى معرفة قيمة وتدابير ملموسة”.
وأضافت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان: “نحن نمر بفترة تحول تفرض علينا تعميق التفكير ليس فقط حول سبل تعزيز الوقاية، ولكن أيضا حول إضفاء منطق استشرافي وطابع استباقي، كعنصر سيمكننا من التحول لوضع التأهب الدائم واتخاذ مبادرات وإجراءات من شأنها تعزيز قدرتنا على التعامل مع المستجدات والحالات الطارئة”.
المصدر: وكالات