قال الخبير في العلوم الإنسانية عبد الله بوصوف إن زلزال مناطق الحوز والأطلس خلف آلاما نفسية كبيرة ووجعا جماعيا لكل المغاربة، غير أن صور قوافل التضامن، وصور سيارات وشاحنات المغاربة المتجهة صوب مناطق الزلزال، وصور السلاسل البشرية من نساء ورجال وأطفال وهم يساهمون ويتضامنون مع إخوانهم وأخواتهم وأطفالهم، وصور مغاربة العالم وهم يساهمون ويُواسون عائلات الضحايا، وصور السلطات والجيش الملكي والهيئات الطبية وهي تسعف الساكنة…، كانت “درسا مغربيا جديدا ينضاف إلى سلسلة الدروس المغربية في التضامن والتآزر”.
وأشار بوصوف، في مقال له بعنوان “زلـزال الحـوز والـدرس المغربي والمنزعجُون”، إلى أن “المنزعجين من الدرس المغربي كانوا منشغلين بتسخير ذبابهم الإلكتروني وشاشاتهم ومجلات “سخريتهم” لاستفـزاز مشاعر المغاربة والتقلـيل من درجة تفـوق الشخصية المغربية أمام الصعاب والتحديات، لكن الجميع يعرف مقر هيئة تحريرها الحقيقي وأجندتها ومن يُملي عليها خطوط سخريتها”.
هذا نص المقال:
يحق لنا، نحن أبناء طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين وابن تومرت والسعدي وعبد المومن الموحدي ومولاي إسماعيل ومحمد الخامس والحسن الثاني..، أن نفتخر بتاريخ طويل من الإنجازات والانتصارات والبنـاء وسك العملة الوطنية.
يحق لنا، نحن أبناء السيدة فاطمة الفهرية والسيدة الحرة وزينب النفزاوية وكنزة الأَوربية وخناتة بنت بكار وغيرهن كثيرات، أن نفتخر بأمهات المغاربة اللائي شاركن بقـوة في صنع القرار في لحظات تاريخية مهمة.
يحق لنـا، نحن أبناء ابن بطوطة والحسن الوزان والفيكيكي والشريف الإدريسي والعياشي وأبي القاسم الزياني وغيرهم كثير، أن نفتخر بجيل من الرحالة المغاربة وثقـوا رحلاتهم إلى مشارق الأرض ومغاربها، وتـركوا بصمات مغربية خالدة في الفقه والفكر والاجتماع والجغرافيا والتاريخ.
ويحق لنـا، نحن أبناء المقاومة والاستقلال وطريق الوحدة والمسيرة الخضراء ومغرب مسيرات الملك محمد السادس في البناء الديمقراطي والتحديث والتنمية المجالية، الافتخار بالانتماء إلى هـذه “الأمة الـوَلاَّدة”.
يُـقال رب ضارة نافعة. صحيح أن زلزال مناطق الحوز والأطلس في ليلة الجمعة 9 شتنـبر خلف آلاما نفسية كبيرة ووجعا جماعيا لكل المغاربة جراء عدد الموتى والجرحى وهدم البيوت والدواوير، وكذا الخسائر الكبرى في الرأسمال اللامادي للمغرب كمسجد الكتبية ومسجد تنميل وجامع ساحة الفنـا وسور تارودانت العظيم، وهو ثالث أقـدم سور في العالم، وخسائـر أخرى في المدينة القديمة لمراكش، وهي كلها ضمن لائحة التراث الإنساني والعالمي لمنظمة اليونيسكو. ل
كن صور قوافـل التضامن من مناطق الريف والصحراء المغربية والشرق والغرب ومن مغاربة العالم، وصور سيارات وشاحنات المغاربة المتجهة صوب مناطق الزلزال، وصور السلاسل البشرية من نساء ورجال وأطفال وهم يساهمون ويتضامنون مع إخوانهم وأخواتهم وأطفالهم بالحـوز وتارودانت وورزازات، وصور مغاربة العالم وهم يساهمون ويُـواسون عائلات الضحايا، وصور السلطات والجيش الملكي والهيئات الطبية وهي تسعف الساكنة، وكذا محاولات الإنقاذ والإيـواء.. كانت كلهـا بحق درسا مغربيا جديدا ينضاف إلى سلسلة الدروس المغربية في التضامن والتآزر، وملحمة وطنية جديدة بين العرش والشعب، كالمسيرة الخضراء وزمن “كورونــا”، في مغرب الملك محمد السادس.
الدرس المغربي الجديد في التضامن هو شهادة عن الحالة الصحية الجيدة للُّحْمة الوطنية وللجبهة الداخلية، وأن أفـراد الأمـة المغربية معتزون بأنفسهم وبكرامتهم، ويشـدون عضد بعضهم البعض وواثـقون في مؤسساتهم، وهو ما أشاد به العديد من الأصدقاء من رجال السياسة والإعلام والاقتصاد، وفي الوقت نفسه أغاظ البعض الآخـر!
وفـي الوقت الذي كان المغاربة، ملكا وشعبا، منشغلين بتعداد موتاهم وجرحاهم وإحصاء عدد أيتامهم وبيوتهم المهدمة والتفكير في برامج استعجالية وأخرى مستقبلية لفائـدة المناطق المنكوبـة وتسطير أجندة محددة لتنفيذ كل تلك البرامج وصرف التعويضات المالية المخصصة للأسـر وللبيوت المهدمة واعتبار أطفال وأيتـام زلزال الحـوز “منكـوبي الأمـة”، كان المنزعجون من هذا الدرس المغربي منشغلين بتسخير ذبابهم الإلكتروني وشاشاتهم ومجلات “سخريتهم” لاستفزاز مشاعر المغاربة والتقلـيل من درجة تفـوق الشخصية المغربية أمام الصعاب والتحديات، لكن الجميع يعرف مقـر هيئة تحريرها الحقيقي وأجندتها ومن يُمـلي عليها خطوط سخريتها.
ويبدو أن تلك الجهات المنزعجة لم “تهضم” بعـد أن المغرب بلد مستقل وذو سيادة وله تاريخ طويل ضمن أعـرق الملكيات في العالم، وأنه يملك قراره السيادي، ويحدد بموجبـه إحداثيات التعامل معه في مجالات التعاون والتجارة والشراكات الاستراتيجية..
لقد تجرد “المنزعجون” من كـل إنسانيتهم ولم يحترموا لحظات الحزن والعـزاء التي عاشها المغاربة، وأفـرغ مُـراسِلـوهم كل حقـدهم وحاولوا الصيد في غيـر موضـعه. لكن فشـلت تقاريرهم وميكروفوناتهم أمام طوفان جارف من مشاعر التضامن والتآزر التي أبان عنها الشعب المغربي، كما أصابتهم الزيارة الملكية، وتفقـد الملك محمد السادس ضحايا زلزال الحوز بمستشفى مـراكش، وتبرعه بالدم لفائـدة الضحايا وبمبلغ مليار درهم لفائـدة الصندوق الخاص لمواجهة آثار الزلزال، وترؤسـه جلسات العمل لإعادة الإيواء والتكفل بمتضرري الزلزال.. في مقتـل.
إننا منشغلون الآن بتضميد جراحنا وحماية أطفالنا وبناء بيوتنا بالحوز باحترام خصوصيات المنطقة واحترام كامل لكرامة أهلنا في مناطق الحوز لأن المغاربة يعتبرون ما قاموا به واجبا وطنيا، أولًا وأخيرا، ولن ننجر إلى ملعب “المنزعجين” والتهديدات الضمنية لمختلف أدواتهم في دوائـر الإعلام والسياسة والمال والجمعيات المدنية… لأن لكل حادث حـديث.
وسيأتي زمن يُحكى فيه عن “سمفونية” تضامن وطنية كبرى كتـبها العرش والشعب معا، بعد أعنف زلزال ضرب المغرب في مناطق الحوز وتارودانت وورزازات، ليلة الجمعة 9 شتنبـر 2023، لتنضاف بذلك لبنة أخرى وحلقة جديدة إلى تراكمات وملاحـم الشخصية المغربية الأبية، الممتدة منذ نشأة الدولة المغربية، وفاء لقيـم ومواقف الإقدام والشجاعة لأيقـونات المغرب التاريخية كطارق بن زياد وابن تاشفين والمولى إسماعيل ومحمد الخامس والحسن الثاني وجلالة الملك محمد السادس، لكون المغاربة مسكونون بوطنهم يحملونه بين ضلوعهم حيثما كانوا، وكون “منبت الأحرار.. مشرق الأنوار.. هب فتاك لبّى نـداك..” ليست شعارات لدغدغة الشعور الوطني، بل عقيدة وتربية للوجدان الوطني.
المصدر: وكالات