قال الخبير في العلوم الإنسانية عبد الله بوصوف إن “النسخة المغربية الإسبانية البرتغالية لكأس العالم لسنة 2030 ستكون إعلانًا لمرحلة جديدة تُتيح للمغرب مساحات جديدة ودورا كبيرا في تشكيل ملامح جديدة لجيل المئوية الثانية لكأس العالم”، مشيرا إلى أن “المغرب عرف زخما قويا وتراكما على مستوى التنظيم القاري والمتوسطي والعالمي”.
وأضاف بوصوف، في مقال له بعنوان “المغرب يقود إفريقيا في المئوية الثانية لكأس العالم”، أن “المرحلة القادمة يجب أن تكون مغربية وإفريقية”، مذكرا بأن “كل الفرق العالمية تضم عددا كبيرا من اللاعبين الأفارقة أو من أصل إفريقي”، ومؤكدا أن “المغرب جاهز للعب دور القاطرة بالنسبة للقارة الإفريقية للمرور إلى المئوية الثانية لكأس العـالم لتوفره على كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية والشغف اللازم باللعبة”.
هذا نص المقال:
كــرة القـدم، ذلك الاختراع البريطاني الذي تطور مع الزمن فأصبح صناعة قائمة الذات، ترتبط بها العديد من المجالات الاقتصادية (السياحة، الطيران والخدمات…) والإعلامية (قنوات رياضية متخصصة وشركات صناعة الإشهار…) والعلمية (الطب الرياضي، الترويض الطبي…)، وتدور في فلكها مبالغ فلكية، سواء مبالغ النقل التلفزي أو عقود اللاعبين…
وسيطلـق الفرنسي Jules Rimet، رئيس الفيـفا آنذاك، منذ سنة 1921 أول بطولة عالمية لكرة القدم كآلية قوية للسلام والتضامن وتقريب الشعوب، مؤكدا أن الصراع بين الشعوب يجب أن يكون داخل رقعة الملعب وليس بساحات الحرب، خاصة أن العالم كان قد خرج لتوه من الحرب العالمية الأولى.
لقد كانت الرغبة في تحويل النظر عن أوروبا الجريحة والمثقلة بتداعيات الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929، لذلك لم يكن اختيار دولة الأوروغواي لتنظيم أول بطولة عالمية في كرة القـدم سنة 1930 اعتباطيًا. إذ فازت بأولمبياد سنتي 1924 و1928، لتصبح أول دولة من أمريكا اللاتينية تلعب بأوروبا، بالإضافة إلى احتفالات الأوروغواي بمئوية دستورها لسنة 1830. أضف أن 88% من سكان الأوروغواي من أصول أوروبية و44% منهم من أصول إيطالية، وهو ما يفســر ارتباط الأوروغواي بأوروبا. كما لقبــها العديد من المحللين بسويسرا أمريكا اللاتينية، وأنها الديمقراطية الأكثر تطورا بالمنطقة.
وبالفعل نظمت الأوروغواي كأس العالم لسنة 1930 وشاركت فيه 13 دولة، مع مقاطعة ببريطانيا التي كانت ترى في نفسها الأحق بتنظيم أول بطولة عالمية فازت بها الأوروغواي على الأرجنتين في النهائي.
وبإعلان الفيفا يوم الأربعاء 4 أكتوبر 2023 عن تنظيم مشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لكأس العالم سنة 2030، مع إجراء ثلاث مباريات بكل من الأوروغواي والأرجنتين والبارغواي تخليــدا لـمئوية الكأس التي انطلقت من عاصمة الأوروغواي مونتيفيديو سنة 1930، فـإن هذا يعني، من جهة أولى، أن نسخة مونديال أمريكا وكندا والمكسيك لـسنة 2026 ستكون خاتمة لمرحلة عرفت انتقال الكأس بين دول أوروبا والأمريكيتين وآسيــا وجنوب إفريقيا والشقيقة قـطـر، وتطورت فيها اللعبة إلى درجة كبيرة، فمونديال الأوروغواي مثلا لـسنة 1930 ليس هـو مونديال قطر 2022.
كما يعني، من جهة ثانية، أن النسخة المغربية- الإسبانية- البرتغالية لسنة 2030 ستـكون إعلانًا لمرحلة جديدة تُتـيح للمغرب مساحات جديدة ودورا كبيرا في تشكيل ملامح جديدة لجيل المئويـة الثانية لكأس العالــم، مُنطــلقـا من أرضية صلبة نتيجة العديد من العوامل، سواء تلك المتعلقـة بتكوين العنصر البشري للاعبيـن منهم، أو الحُكـام، ذكورا وإناثًا، بـأكاديمية محمد السادس لكرة القدم، أو بتطوير البنية التحتية وعصرنة الملاعب بكل المدن المغربية، وانتقال البطولة المغربية الى الاحتراف، وتوزيع المحترفين المغاربة بين أعرق وأقوى الفرق العالمية بمختلف القارات.
ليس هذا فحسب، فقد عرف المغرب زخما قويا وتراكما على مستوى التنظيم القاري والمتوسطي والعالمي بتنظيم كأس العالم للأندية، وحصول فرقه الرياضية (ذكورا وإناثًا) على كـؤوس وبطولات قارية عديدة، كما شكل تـألق الفريق الوطني في مونديال قطر بوصوله إلى نصف النهائيات حدثا تاريخيا غير مسبوق وإشعاعا إعلاميا كبيرا واحتفالًا شعبيا خُتـم باستقبال ملكي كبير لأســود الأطلس رُفقـة أمهاتهم.. كل هــذا يؤهل المغرب ليكون بجدارة مُمثِلا قـويا لكل الأشقــاء العرب والأفارقة في بــداية المئوية الثانية لكأس العالم لسنـة 2030.
المرحلة القادمة يجب أن تكون مغربية وإفريقية، خاصةً إذا علمنا أن كل الفرق العالمية تضم عددا كبيرا من اللاعبين الأفارقة أو من أصل إفريقي، حيث بات اللاعب الإفريقي ينافس لاعبي أمريكا اللاتينية داخل الفرق الأوروبية.
لقــد غيرت كرة القدم الكثير من الصور داخل إفريقيا، حيث أحدث لاعبوها تطورا رهيبا داخل المجتمعات. كما ساهموا، من خلال برامجهم الاجتماعية والتطوعية أو استثماراتهم، في تغيير وجه إفريقيا. فاللاعب الليبيري جورج ويــا، مثلا، بعد تألق أوروبي وجوائز عالمية أصبح رئيسا لدولة ليبيريا بعد فوزه في الانتخابات. كما أن إنجاز أسـود الأطلس بمونديال قطر 2022 كان له الأثــر العظيم في صورة المغرب بالخارج من خلال الاحتفاليات بالساحات العالمية عقب كل انتصار لهم.
بطبيعة الحال لا يمكن إغفال تأثير العنصر السياسي في مجال التنظيم أو المشاركة، فتنظيم المغرب وإسبانيا والبرتغال لمظاهرة رياضية من حجم كأس العالم يعني أن المغرب من الدول التي لها وزن كبير في الساحة الدولية. وقد ساعده في ذلك الاستقرار السياسي والتطور الديمقراطي والموقع الجغرافي المهــم، بالإضافة إلى العلاقات المتميـزة مع كل من إسبانيا والبرتغال والمشترك التاريخي والإنساني بينهـا.
من جهة أخرى، فـإجراء بعض المباريات بأمريكا اللاتينية، تخليدا للمئوية الأولى لكأس العالم، سيكون مناسبة مهمة لتلك الدول للتعرف عن المغرب، شعبا ومؤسسات، لـتعبيد الطريق لشراكات جديدة ولتعاون جديد يخدم شعوب واقتصاديات تلك الدول، كما يخدم قضايا الديمقراطية والأمن وتطوير حجم المبادلات التجارية والرفــع من فـرص الاستثمــار.
إن الشغف المغربي بكرة القــدم سيكون عاملا مهمًا لإنجاح تنظيم بطولة عالمية سعى المغرب لتنظيمها بتقديم ترشيحه خمس مرات إلى أن زف جلالة الملك محمد السادس يوم 4 أكتوبر الخبر السار بتحقـق حلم الأمة المغربية بتنظيم مونديال 2030 إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال.
فكـرة القدم لم تعد لــعبة رياضية عـاديـة فقــط، بل أصبحت صناعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وبالإضافة إلى أدوار إنسانية تخدم تضامن الشـعوب والدفاع عن بعض القيم والحريات، هناك أدوار أخرى من جملتها أدوار سياسية باعتبارها قوة ناعمة في مجال العلاقات الدولية، وأدوار اقتصادية تتعلق بجـذب السياح وتقريب الشعــوب وجلب الاستثمارات الخارجية وتوفير فرص العمل، وأخرى تساهم فـي الارتقاء الاجتماعي.
ولن نجازف بالقول إن المغرب جاهز للعب دور القاطرة بالنسبة للقارة الإفريقية للمرور الى المئـوية الثانية لكأس العـالم لتوفره على كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية والشغف اللازم باللعبة من أجل بلورة جيل إفريقي جديد يمارس ويتألق بالملاعب العالمية ويساهم في تنمية المجتمعات الإفريقية.
المصدر: وكالات