كتاب شامل عن التنظيم القانوني والتصور والفعل الرسميين والمدنيين لتدبير جزء من التراث الثقافي للمملكة، هو إرثه اليهودي المغربي، صدر عن المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية (ريمالد)، بعنوان “تنظيم الطائفة اليهودية المغربية”، في ما يزيد عن 400 صفحة، مزاوجا بين اللغتين العربية والفرنسية.
هذا العمل الذي جمعه ونسقّه محمد بنيحي، مدير المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، يقدم كافة النصوص القانونية التي تهم الطائفة اليهودية المغربية، مع إيراد سلسلة من خطب ورسائل المَلِكين محمد السادس والحسن الثاني الموجهة إلى الطائفة، أو المتحدثة عن التعايش وحوار الأديان، مع التعريف بإعلانات دولية مثل “إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي”، وتقريب القراء من آراء مؤسسات دستورية في مجال تدبير التراث الثقافي المغربي، وتنظيم مؤسسات بارزة في مجال التعريف بالتراث الثقافي المغربي اليهودي مثل متحف اليهودية المغربية بالدار البيضاء الذي فتح أبوابه منذ سنة 1997، وكان الأول من نوعه في المنطقة العربية، والوحيد في العالم المهتم بهذا الإرث المغربي.
ويضم المرجع مقتطفات من دستور المملكة حول الموضوع، وبعض قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بالحوار بين الأديان، وتفاصيل أحدث ظهير ينظم الطائفة اليهودية المغربية، ومقتطفات من ظهير مجلس الجالية المغربية بالخارج، والقرارات والظهائر والقوانين المعنية بضبط إحداث “جوامع اليهود” وتسييرها، ومدونة الأسرة، والتصنيف الأثري للمباني اليهودية، وإعادة تنظيم المحاكم العبرية والتوثيق العبري، وتعريفات عقود الموثقين العبرية.
ومن بين ما يعرف به الكتاب المراسيم المعنية بتحديد لائحة أيام الأعياد المسموح فيها بالعطلة في الإدارات والمؤسسات العمومية، والرسوم شبه الضريبية على اللحم الحلال في الديانة اليهودية التي تستفيد منها لجان الجماعات اليهودية المغربية، مع الوقوف عند مرسوم اعتبار “مؤسسة التراث الثقافي العبري المغربي” جمعية ذات منفعة عامة منذ سنة 2001.
وفي تقديم العمل الجديد، تحدث عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عن أهمية هذا المرجع التوثيقي بالنسبة للقراء والباحثين والفاعلين المعنيين، قائلا: “معلوم أن حماية المكون العبري المغربي تجد أساسها في الرؤية المتبصرة لملوك المغرب”، وخاصة الملك محمد الخامس “الذي يشهد له التاريخ أنه قدم خدمات جليلة لفائدة الطائفة اليهودية المغربية بعد محاولة نظام فيشي بفرنسا تسليم أفراد هذه الطائفة للنازيين”.
كما استحضر عمل الملك محمد السادس من أجل “حماية التراث المادي وغير المادي العبري المغربي باعتباره جزءا لا يتجزأ من التراث الوطني”، وقدم أمثلة بـتأهيل العديد من المواقع والفضاءات الدينية اليهودية للبلاد، في سبيل رد الاعتبار والكرامة لمجموعة من الكنائس والمعابد، مع إحداث متاحف ثقافية تبرز “التعايش الأصيل بين اليهود والمسلمين في جميع أرجاء المملكة”، وخص بالذكر “بيت الذاكرة” بالصويرة، مع تنويهه بـ”المبادرة الوجيهة لإحداث مركز الدراسات والأبحاث في القانون العبري المغربي، وإحداث كرسي القانون العبري بجامعة محمد الخامس بالرباط”.
وذكّر بوصوف بالتعليمات الملكية المنفَّذة المتعلقة بتنظيم الطائفة اليهودية المغربية، والمستمدة من كون الملك محمد السادس “أمير المؤمنين، الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، لكل المغاربة على اختلاف عقائدهم”، كما ذكر أن ظهير هيكلة وعصرنة تنظيم الطائفة اليهودية المغربية يكرِّس للرافد اليهودي المغربي بوصفه مكونا دستوريا للثقافة المغربية” من أجل المحافظة على تراثه الغني والمتنوع، والنهوض بثقافته العريقة، مع الحرص على توطيد علاقات اليهود المغاربة القاطنين بالخارج مع وطنهم الأصلي.
وسجل بوصوف نَسْخَ الظهير الجديد وتعويضَه نصوصا متجاوزة تعود إلى سنة 1945، ونصه على إحداث “المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية” الذي أنيطت به مسؤولية السهر على “تدبير شؤون الطائفة والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية الأصيلة”، و”لجنة اليهود المغاربة بالخارج” التي “تعمل على تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة”.
كما نص على إحداث “مؤسسة الديانة اليهودية المغربية” التي ينبغي أن “تسهر على النهوض والاعتناء بالتراث اللامادي اليهودي المغربي والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته”.
وأشار الأمين العام لمجلس الجالية المغربية إلى أن مقصد هذه التدابير هو “إبراز الرافد العبري المنصوص عليه في دستور المملكة باعتباره مكونا حقيقيا وتاريخيا للهوية المغربية الغنية بتعدد روافدها، ومدى تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والوسطية والتسامح والأمن والوفاق والتعايش والحوار، من أجل الفهم المتبادل بين جميع ثقافات وحضارات العالم”.
المصدر: وكالات