نقل أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة فوزي بوخريص معطيات مثيرة وردت في مذكرات لعالمة الاجتماع الفرنسية البارزة دومينيك شنابر، ابنة ريمون أرون، أحد كبار علماء الاجتماع الفرنسيين، حيث وردت تفاصيل حول منفاها الاضطراري بالمغرب إبان الاحتلال النازي لفرنسا.
وفي ما يلي نص المقال:
تكشف دومنيك شنابر Dominique Schnapper، عالمة الاجتماع الفرنسية البارزة، التي هي في الوقت نفسه ابنة واحد من كبار علماء الاجتماع الفرنسيين: ريمون أرون Raymond Aron، في مذكراتها المعنونة بـ: “Travailler et aimer, mémoires”، عن علاقة خاصة تربط ريمون أرون، أو بالأحرى أسرته الصغيرة، بالمغرب. ففي فترة تغول النازية في فرنسا، وبسط حكومة فيشي سطوتها على كامل ترابها ومستعمراتها، لجأ أرون إلى لندن، وبعث بأسرته الصغيرة إلى المغرب، للعيش تحت حماية صديقه وزميله في المدرسة العليا للأساتذة شارل لوكور charles Lecoeur، الذي كان في هذه الفترة إثنولوجيا وعالم اجتماع شابا.
وتتلمذ شارل لوكور على يد مارسيل موس، بل وساعده موس في الحصول على منحة روكفيلر، التي استفاد بفضلها من إقامة علمية إلى جانب برونيسلاف مالينوفسكي في لندن.
لكن كما قال عبد الكبير الخطيبي فشارل لوكور اختطفته الحرب مبكرا، إذ قتل سنة 1943 في خضم مشاركته في الحملة العسكرية بإيطاليا، تاركا وراءه أطروحة مميزة، ستنشر بعنوان “الطقس والأداة. بحث في العقلانية الاجتماعية وتعدد الحضارات”. والكتاب سيعيد نشره جورج بالاندييه سنة 1969.
احتضن شارل لوكور وزوجته “مارغريت”، التي كانت تعمل مديرة ثانوية بالرباط، أسرة ريمون أرون بالمغرب، المكونة على الخصوص من دومنيك شنابر ووالدتها، في الفترة ما بين نونبر 1940 ويوليوز 1943.
وتتحدث دومنيك شنابر في مؤلفها عن الظروف التي ميزت منفاها الاضطراري بالمغرب، حيث حظيت، رفقة والدتها، باحتضان إنساني رفيع من قبل أسرة لوكور، وباستقبال ودعم كبيرين من قبل أسر الفرنسيين المعمرين بالمغرب، ما ساعد الأسرة على تحمل صعوبة الغربة وقساوة الانفصال عن الوالد.
وتصف شنابر أهم معالم العالم الذي عاشت فيه بالمغرب، حيث كان يحيط بها في الغالب الفرنسيون المعمرون، ولم تكد تتعرف على عالم المغاربة، سكان الأرض الحقيقيين، مع استثناءات قليلة، تتمثل في خادمة بيت لوكور المسماة “فاطمة”، التي مازالت تحتفظ ببعض صورها، كما تتذكر بعض أميرات العائلة الملكية، اللواتي كن يدرسن في الثانوية، وكن يأتين بالسيارة ولا يختلطن بباقي التلميذات والتلاميذ الفرنسيين…
وبفضل جو التسامح والاستقرار الذي عاشت في كنفه أسرة ريمون أرون الصغيرة بالمغرب قامت دومنيك شنابر ووالدتها برحلات وزيارات داخل العديد من مناطق المغرب، قادتهم إلى جبال الأطلس…
وغادرت أسرة ريمون أرون المغرب في يوليوز 1943، عندما كانت دومنيك شنايبر تبلغ من العمر 8 سنوات ونصف السنة. وتصف عالمة الاجتماع رحلة مغادرة أسرتها المغرب، إذ انطلقت في طائرة عسكرية من فاس نحو لندن للالتحاق بالأب ريمون أرون، لكن عبر المرور بجبل طارق.
وفي مذكراتها تكشف دومنيك شنايبر عن الأسباب التي جعلتها تتردد كثيرا في الحديث عن ذاتها، وتخفي هويتها خلف اسم زوجها؛ فكما تقول: “الحديث عن نفسي، وعن أصولي أو تكويني الفكري، يعني بالضرورة الحديث عن والدي. وليس من المريح أبدا الحديث عن الأب”، خصوصا عندما يتعلق الأمر باسم مثل ريمون أرون…
في سيرتها الذاتية تتحدث دومنيك شنايبر عن تكوينها ومسارها كعالمة اجتماع وعن علاقتها بوالدها، وبباقي علماء الاجتماع الآخرين، من جيل المؤسسين ومن جيلها؛ وفي خضم الكتاب تكشف الكثير من التفاصيل عن علاقة ريمون أرون “العراب” ببيير بورديو، مساعده الشاب، والموهبة الصاعدة في حقل علم الاجتماع، الذي احتضنه أرون بحفاوة في “مركز علم الاجتماع الأوروبي”، وفسح له المجال لتطوير ذاته وأبحاثه، وسيبرز بشكل سريع جدا، وسينتزع استقلاليته، وتميزه الجذري عن “الأستاذ” أرون…
المصدر: وكالات