قال أحمد بنيوب، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، إن غالبية إنتاجات الثقافة الحقوقية المغربية، المؤسساتية والمدنية، تعاني من ضعف مراكَم في تقييم التحولات الجارية على صعيد الدولة في مجال حقوق الإنسان بشأن التأصيل المعرفي الحقوقي، ما يُبقي الوضع متأرجحا بين تكرير التيار الإصلاحي التوصيات نفسها، واستمرارا التيار الراديكالي في ترديد الانتقادات ذاتها.
المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان اعتبر في ردّ على الفاعل الحقوقي الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، ضمن العدد الأخير من المجلة التي يصدرها المركز، أن الوضع الحقوق الحالي يُفضي إلى إعادة الفاعل الإصلاحي تأكيدَ التوصيات والمناشدات نفسها، التي يقابلها التيار الراديكالي المتشدد بمواقفه المتكررة من قبيل “الردة الحقوقية”، و”العودة إلى ماضي الانتهاكات الجسيمة”، وبالنتيجة “الدعوة إلى “إسقاط الاستبداد ووضع دستور جديد”.
بنيوب ذهب إلى القول إنه أضحى من السائد التعامل مع موضوع “التزام الدولة في مجال حقوق الإنسان”، في عمومه، وكأنه عملية تقنية لمعادلة مبسطة، تتلوها مناشدات وطلبات، وأصبحت من كثرة استعمالها لدى البعض فاقدة لكثير من معانيها، ومن ذلك “سموّ الاتفاقيات الدولية”، و”دفع عجلة الملاءمة”، و”بلورة السياسات العمومية، و”تفعيل الالتزامات”، معتبرا أن ترديد هذه المقولات “لم يُسعف على إحداث التغييرات التي يتطلع إليها الناس”.
وأوردَ عددا من الأمثلة على ذلك، بتساؤله: “لماذا رغم هذه السنين من الالتزامات والنضالات والتضحيات وما صُرف من أموال وبُذل من جهود، لا تزال هناك أمور عديد تراوح مكانها، وفي حالات أخرى غير قابلة للتحول أو التحرك حتى؟ ومن هذا القبيل لماذا لا يزال زواج القاصر يواجه التطور المجتمعي بقساوته؟ وعقوبة الإعدام بتحديها للحق الأصيل في الحياة؟ واستمرار سيادة اللبس حول حرية التعبير؟ والتأرجح الكبير في المساواة بين الجنسين؟ وعدم صدور قانون الإضراب؟… وغيرها من الأمثلة التي تحيَّن بها مذكرات الترافع عند الاتجاه الإصلاحي، أو تُشحن بها “بطاريات” التحريض عند الاتجاه الراديكالي”.
المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان أردف متسائلا: “أكثر من ذلك، أي معنى للثلاثمائة وواحد وخمسين تدبيرا في مشروع خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان 2022 -2026؟ ألا يخفي ضمنا أو صراحة ما يعادل هذا الرقم من أوجه خصاص وضعف وفراغ في الضمانات الواقعية والقانونية المتعلقة بحقوق الإنسان؟”.
واستدرك بأن هذا لا يعني أن وضعية حقوق الإنسان في المملكة قد تراجعت، “لأن وجود الخطة والإصرار المؤسساتي عليها أكبر إرادة على التقدم”، لكن السؤال المطروح، يردف المسؤول ذاته، هو “كيف لبلادنا التي كانت سباقة إلى التجاوب العقلاتي الإرادي مع اختيارات حديثة جدا في مرجعية حقوق الإنسان العالمية أن تتعثر في إنجاح مشاريع تخص تطور دولة القانون والتطور المجتمعي؟”.
وأردف بأن الدولة بادرت، في سياق مصالحتها مع التاريخ، إلى التجاوب مع مشروع الراحل إدريس بنزكري حول العدالة الانتقالية، دون أن تكون مرغمة على ذلك، وقبِلت، تلقائيا، باستخراج رفات ضحايا سنوات الرصاص، وإجراء جلسات الاستماع العمومية، واعتماد توصياتها بمجرد عرضها على أعلى سلطة في البلاد.
ولفت إلى أن وزارة الداخلية تجاوبت على نحو فعال مع عملية المصالحة التي أطلقتها الدولة، قبل أن يتساءل: “اليوم، وبعد كل ما جرى، وفي ضوء الدستور الجديد الذي زكى كل تلك التحولات، لماذا نجد وزارة الداخلية، على سبيل المثال، في وضعية التردد الكبير فيما يخص مراجعة قانون الجمعيات؟ ولماذا لا نجد أي مبادرة تشريعية أمام زواج القاصرات؟”.
وتابع: “السؤال اليوم، هو أين وصلت مستويات تفعيل إرادة الدولة وأين جذور الخلل؟ هل في نكوص إداري أو في مستويات التفعيل أو في المؤسسات أو في انسجام الأغلبيات المنبثقة عن صناديق الاقتراع أو في مسؤوليات وأدوار الأفراد المؤتمنين البارحة واليوم على مؤسسات حقوق الإنسان؟”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن القضايا التي تطرق إليها “مفتقدة في نقاشات الفاعل الحقوق الإصلاحي، حيث يبقى السائد هو إعادة تأكيد نفس التوصيات والمناشدات، والتي يقابلها التيار الراديكالي المتشدد بمواقفه المتكرر من قبيل (الردة الحقوقية)، و(العودة إلى ماضي الانتهاكات الجسيمة)، وأن (العدالة الانتقالية كانت مجرد مسرحية)”.
المصدر: وكالات