“استقر في الواقع السياسي انسحاب المناضلين الحقيقيين من معظم الأحزاب السياسية” عبارة حمّالة أوجه جاءت على لسان عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق، على الرغم من أنها وردت في سياق نقده للنخب المتصدرة للمشهد الحالي.
وقال بنكيران، في كلمة ألقاها أمام أعضاء المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، الاثنين، “استقر في الواقع السياسي انسحاب المناضلين الحقيقيين إلا قليلا، في مختلف الأحزاب السياسية، وطغى نوع جاءت بهم الانتخابات. في الحقيقة ليس بينهم وبين السياسة إلا الخير والإحسان”، في انتقاد حاد منه للواقع السياسي ونخبه الجديدة.
انسحاب المناضلين
كلام بنكيران القاسي حول الواقع السياسي بالبلاد ينطبق في جزء كبير منه على حزبه، الذي بات شبه خالٍ من الأسماء والقيادات التاريخية التي صنعت أمجاده في السنوات الماضية، إلى جانب بنكيران.
زعيم الإسلاميين، الذي تسلم دفة القيادة مجددا بعد نكسة الانتخابات التي هوت بالحزب من القمة إلى السفح في سقوط حر ما زالت تداعياته مستمرة في بيته الداخلي، أحاط به عددا من القيادات والوجوه الشابة، في الوقت الذي توارت القيادة السابقة عن الأنظار في “انسحاب” غير مباشر تاركة بنكيران وحيدا يصارع من أجل إعادة الحزب إلى الواجهة.
ويتساءل الرأي العام ومعه المراقبون عن أسباب الغياب الطويل للوزراء والقيادات التاريخية لحزب العدالة والتنمية من المشهد، أمثال سعد الدين العثماني ومحمد يتيم والمصطفي الرميد ولحسن الداودي ومحمد نجيب بوليف وعزيز الرباح وغيرهم كثير، في مؤشر يدل على أن الأزمة مستمرة ومستحكمة داخل الحزب الذي لم ينجح بعد في رصّ صفوفه وتجاوز الخلافات التي ورثها بعد تجربة عشر سنوات من التدبير الحكومي.
لا يعني “البيجيدي”
تصريحات بنكيران عن انسحاب المناضلين الحقيقيين من الأحزاب السياسية ومدى تعبيرها عن الوضع الداخلي لحزبه، رد عليها قيادي في الحزب بالنفي، مؤكدا أن بنكيران تحدث عن الأعيان وغزوهم للساحة السياسية والأحزاب على حساب السياسيين الحقيقيين.
واعتبر عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن الوجوه الأساسية في المرحلة السابقة، سواء “العثماني أو يتيم أو الداودي والرباح، قدموا استقالاتهم واعترفوا بالمسؤولية السياسية عن نتيجة الانتخابات؛ ومن الطبيعي أن لا يكونوا في الواجهة”.
وأكد المصدر ذاته “إذا أعدنا نفس القيادة إلى الواجهة سنضحك على المغاربة”، لافتا إلى أن بنكيران “اختار الناس الذين يريد أن يشتغل معهم في الأمانة العامة؛ ومنهم أعضاء أساسيون كانوا في المرحلة السابقة”.
ينبغي قول الحقيقة
كلام بنكيران يبدو أنه لم يعجب عبد العزيز أفتاتي، القيادي المثير للجدل في حزب “المصباح”، والذي اعتبر أن انسحاب المناضلين الحقيقيين من الأحزاب السياسية “نسبي، كان وسيبقي، ويتعلق بالأحزاب الحقيقية التي تمثل تيارات فكرية والانتماء إليها يكون بناء على القناعات”.
وأضاف أفتاتي، في اتصال هاتفي مع هسبريس، “الانسحابات نسبية وطبيعية وعادية؛ ولكن ما هي المشكلة والسبب الحقيقي الذي يدفع الناس إلى الانسحاب؟”، مطالبا القيادة بقول الحقيقة للشعب والمجتمع وتسمية الأشياء بأسمائها.
وزاد المتحدث ذاته موضحا: “نحن نتكلم عن التوابع فقط، وينبغي أن نقدم إجابة عن سؤال لماذا ينسحب المناضلون الحقيقيون من الأحزاب؟”، قبل أن يجيب: “الدولة تتلاعب بالأحزاب السياسية وأفسدتها وقسمتها”، حسب رأيه، مؤكدا أن هذا الأمر هو الذي يدفع الكثير من المناضلين الحقيقيين إلى الانسحاب.
وتابع أفتاتي مخاطبا بنكيران: “ما دمنا لم نقل ما ينبغي أن يقال، فإننا نعاود الحكايات”، مشددا على أن المسؤولية “مضاعفة” على حزبه والوضع صعب في البلاد.
وبخصوص تواري عدد من القيادات السابقة لحزب العدالة والتنمية وانسحابهم غير المعلن، قال أفتاتي: “أنا أتساءل أين هي القيادة الحالية للحزب؟ وأين هو العرض السياسي الجديد الذي تحدثت عنه؟”، وأضاف “أين قيادة الحزب من الأمور التي تجري في البلاد؟ وما هي مواقفها بخصوص الواقع الحالي؛ لأن الحزب ليس الأستاذ عبد الإله بنكيران؟”.
وعبر القيادي المثير للجدل في حزب “المصباح” عن تخوفه من أن يأتي يوم “لا يعرف فيه المغاربة أي اسم من أعضاء الأمانة والقيادة الجديدة ومواقفها مما يجري”، في انتقاد واضح منه للوضع داخل الحزب.
خطاب موجه للأعضاء
في تعليقه على الموضوع، اعتبر محمد شقير، المحلل السياسي، أن كلمة بنكيران أمام المجموعة النيابية لحزبه فيها “نوع من النقد الذاتي، وانتقادات مباشرة لأعضاء الحزب الذين بينت التجربة الحكومية لحزب العدالة والتنمية أن همهم كان الحصول على المناصب السياسية”.
وأضاف شقير، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن إصابة الحزب بـ”نكسة انتخابية أدت إلى ابتعاد مجموعة من أعضاء الحزب عنه، وباتوا لا يؤدون حتى واجبات الانخراط؛ وهو ما شكل تأثيرا سلبيا على ميزانية الحزب وموارده المالية”.
وتابع المحلل السياسي مبينا أن مجموعة من الأعضاء “لم يعودوا يحضرون التجمعات واجتماعات الأمانة العامة؛ ما جعل بنكيران يوجه الرسائل القاسية التي أظهرت الفرق الشاسع بين الخطاب وبين الممارسة”، مؤكدا أن هذا الأمر “يبين أن الانتهازية السياسية أصابت أعضاء حزب العدالة والتنمية الذين أصيبوا بنفس المرض السياسي رغم أنهم خضعوا لتربية دعوية”.
وشدد المتحدث ذاته على أن ممارسة السياسة بينت أن “العديد من أعضاء “البيجيدي” لا يختلفون عن أعضاء باقي الأحزاب من حيث الممارسة، وتكالبهم السياسي من أجل المصالح والمنافع”.
وأفاد شقير بأنه، انطلاقا من أن المناسبة شرط، يمكن أن تفسر الكلمة التي ألقيت أمام المجموعة النيابية “موجهة بالدرجة الأولى إلى أعضاء حزب العدالة والتنمية، لأن طبيعة الثقافة الحزبية تقوم على الأتباع، والذين غادروا الحزب “غادروه بتجاوز كل الضوابط الحزبية والأخلاق الدعوية، والأتباع انفضوا من حول بنكيران؛ ما شكل له صدمة ونوعا من الانتكاسة الانتخابية، خصوصا الأعضاء الذين تقلدوا مناصب حكومية وشغلوا مقاعد برلمانية”.
المصدر: وكالات