قال عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة الأسبق، إن اللقاء التواصلي الذي تحتضنه كبرى حواضر الصحراء المغربية يندرج ضمن حرص الأمانة العامة على تجديد الصلة بقواعد الحزب وهيئاته المجالية، وتعزيز منسوب الثقة والعمل المشترك في مرحلة دقيقة تتطلب وضوح الرؤية وقوة الالتزام.
وأضاف بنكيران، في كلمة ألقاها أمام أعضاء حزبه بمدينة العيون، أن انعقاد هذا اللقاء بجهة العيون الساقية الحمراء يحمل دلالات سياسية وتاريخية عميقة، ارتباطا بمكانة الأقاليم الجنوبية في الوجدان الوطني، وبما تمثله من رصيد تاريخي قائم على البيعة والولاء الثابت للسلاطين العلويين، وهي علاقة كانت في أصلها قائمة على الحرية وتدبير شؤون القبائل باستقلالية عن أي إدارة محلية.
ونبه المتحدث خلال اللقاء التواصلي للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية مع الهيئات المجالية بجهة العيون الساقية الحمراء، المنظم تحت شعار “تقوية الأداء النضالي والتنظيمي للحزب بالجهة”، إلى أن مقترح الحكم الذاتي يشكل امتدادا طبيعيا لهذا المسار التاريخي، وإحياء لخصوصية تدبير الشأن المحلي، معبّرا عن قناعته بأن هذا الخيار يحمل آفاق النجاح والاستقرار في المستقبل.
وتابع القيادي الإسلامي البارز رئيس الحكومة الأسبق قائلا إن العمل السياسي يقتضي الصراحة مع المواطنين، والوقوف عند مكامن الخلل دون مواربة، خاصة فيما يتعلق بتدبير الشأن العام والسياسات الحكومية.
وانهال الفاعل الحزبي ذاته على عمل الحكومة بنقد حاد، واصفا أداءها بكونه “موسوما بتضارب المصالح”، مشيرا إلى أن عددا من أعضائها أسسوا شركات واستفادوا، بحسب تعبيره، من ميزانية الدولة، وهو ما يسيء إلى الثقة في المؤسسات ويضرب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
واسترسل بنكيران بالتحذير مما اسماه “محاولات استهداف الأسرة المغربية”، عبر تمرير أجندات غريبة عن هوية المجتمع والدولة، مستحضرا في هذا الصدد مواقف سابقة صدرت عن وزيرة محسوبة على حزب الاستقلال، دعت داخل إحدى اللجان البرلمانية إلى أن تتقاضى النساء أجورا عن العمل المنزلي، لافتا إلى أن “مثل هذه المواقف تفتح نقاشا غير متوازن حول بنية الأسرة ووظائفها”.

ودعا عبد الإله بنكيران الشباب إلى الإقبال على الزواج وتأسيس الأسرة، محذرا من ظاهرة العزوف التي باتت تهدد التماسك الاجتماعي، مبرزا أن تأخر سن الزواج إلى ما بعد الأربعين، بدعوى الغموض حول المستقبل، مؤشر يستدعي المعالجة الجادة من مختلف الفاعلين.
كما تطرق المسؤول الحزبي إلى تطورات الأوضاع الدولية، متحدثا عن معاناة الشعب الفلسطيني رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وعن حالة الاضطراب التي تطبع المشهد العالمي، بدءا من مواقف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المتقلبة، وصولا إلى الأزمة الأوكرانية المفتوحة على احتمالات غير واضحة، مؤكدا أن “هذه التحولات تفرض التفكير في إجابات واقعية ضمن السياسة الخارجية، قائمة على تغليب منطق التعاون مع الجيران باعتبارهم إخوة، بدل الاستثمار في الصراع معهم”.
ودعا عبد الإله بنكيران في ختام حديثه إلى تكاثف الجهود بين هيئات الحزب داخل الجهة والهيئات الموازية والشريكة، استعدادا للمرحلة المقبلة، خاصة وأن البلاد تعيش السنة الأخيرة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، مما يستدعي تعبئة تنظيمية ونضالية مسؤولة.

من جانبه، سجل دداي بيبوط، الكاتب الجهوي لحزب العدالة والتنمية بجهة العيون الساقية الحمراء، أن انعقاد هذا اللقاء التواصلي بمدينة العيون يندرج في إطار تنزيل برنامج الأمانة العامة الرامي إلى تعزيز التواصل المباشر مع الهيئات المجالية وأعضاء الحزب بمختلف جهات المملكة، لافتا إلى أن “هذه المحطة التنظيمية تعكس حالة التعافي التي بات يعيشها الحزب خلال السنتين الأخيرتين”.
وقال بيبوط، في كلمته بالمناسبة ذاتها، إن المؤتمر الوطني التاسع شكّل منعطفا في مسار الحزب، ودشّن مرحلة جديدة في التنظيم والنضال والعمل التضامني، تواصلت عبر عقد المؤتمرات الإقليمية والمحلية بمختلف الأقاليم والجماعات، استعدادا لسنة انتخابية استثنائية تتزامن مع نهاية الولاية التشريعية الحادية عشرة.
وأضاف أن هذه المرحلة تفرض على الحزب الرفع من مستوى الجاهزية التنظيمية والنضالية والتأطيرية، بما يفضي إلى تحقيق نتائج تعيد للحزب مكانته اللائقة على مستوى الجهة وعموم التراب الوطني، مؤكدا أن “ذلك يظل رهينا بتضافر جهود مناضلات ومناضلي الحزب، والانخراط الفعلي في مختلف المبادرات التي تطلقها هيئاته المجالية، مع تعزيز التنسيق مع الهيئات الموازية والشريكة محليا وجهويا”.
وبخصوص الوضع السياسي العام، أوضح الفاعل السياسي عينه أن الحزب استعاد عافيته ولن يتخلى عن مناضليه، وسيواصل الاصطفاف إلى جانب قضايا الشعب الحقيقية مهما كانت الكلفة، معتبرا أن “حملات الاستهداف والاغتيال المعنوي التي أعقبت محطة الثامن من شتنبر 2021 فشلت في النيل من الحزب، وأن المرحلة الراهنة تفرض على الخصوم إنتاج خطاب سياسي جاد وإجراءات ملموسة تنسجم مع تحولات اللحظة”.
وأشار بيبوط إلى أن حزب العدالة والتنمية يواصل اليوم، من خلال أمانته العامة ومجموعته النيابية، مواكبة مختلف مستجدات الوضع الوطني والإقليمي والدولي، والترافع داخل البرلمان عن قضايا المواطنين، مع انتقاد السياسات الحكومية التي وصفها بـ “غير المنصفة اجتماعيا، وما يطبعها من تضارب للمصالح وصفقات تثير الجدل”، موردا أن “هذه الاختلالات أصبحت محل نقاش واسع داخل المجتمع”.
وفي هذا السياق، ذكر دداي بيبوط أن انعقاد هذا اللقاء يتزامن مع احتفالات الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء وما تحمله من رمزية وطنية قوية، مشددا على أن أي أفق لحل النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية يظل مرتبطا بإجراءات اجتماعية وتنموية ملموسة في الأقاليم الجنوبية، تستحضر خصوصيات الساكنة المحلية، وتستهدف معالجة إشكالية بطالة الشباب والخريجين، وتعزيز لمّ الشمل الوطني، ودعم آليات تخدم الاستقرار وتصون الحقوق المكتسبة للشعب المغربي.
المصدر: وكالات
