قال نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن “48 سنة مرت على المسيرة الخضراء واسترجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، لكن الصراع المفتعل حول الصحراء لا أحد يعرف إلى متى سيستمر؟ وإلى متى سيجتر المغرب هذا المشكل الموروث عن فترة الاستعمار؟”، معتبراً أن “هذا المعطى تتناساه العديد من الأوساط، بما فيها تلك التي تصنّف نفسها تحررية وتقدمية عبر العالم”.
وسجل بنعبد الله، في كلمته التقديمية لندوة “آفاق الطي النهائي لملف الصحراء المغربية”، تخليداً للذكرى الثمانين لتأسيس “الحزب الشيوعي المغربي”، أن “هذا التنظيم السياسي عانى كثيراً في علاقته مع أحزاب كثيرة مختلفة، لأنه كان هناك سوء فهم لهذه المسألة، بعدما كانت هناك مساع تحاول حصره في خانة تقرير المصير وحق الشعوب في التحرر، إلخ”، مؤكدا أن “حزبنا معروف بمواقفه على هذا المستوى قبل المسيرة الخضراء، وكانت له إسهامات قوية”.
وأفاد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بأن “الجواب عن سؤال آفاق الطي النهائي لملف الصحراء المغربية، يستدعي استحضار المكتسبات الهامة التي حققتها المملكة المغربية على المستوى الديبلوماسي، والتي رغم قوتها لاحظنا أن الملف يكاد يراوح مكانه على مستوى منظمة الأمم المتحدة، بحيث مرت عقود ومازال هذا المشكل يلاحقنا”، مشدداً في الوقت نفسه على أن “مقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب منذ سنة 2007، يشكّل تحولا كبيرا”.
وسجل الفاعل السياسي أن الخطوة الأخرى التي ساهمت في هذا التحول، هي عودة المغرب إلى بيته الإفريقي في الـ30 من يناير 2017، نظراً “لكونه بفضل الحكم الذاتي تمكن المغرب من استعادة المبادرة على المستوى الدولي، وبفعله أخذ الطرح المعتمد على الاستفتاء لتقرير المصير يتراجع تدريجيا على مستوى الأمم المتحدة ومقرراتها، وأيضا فيما يتعلق بمواقف عدد لا يستهان به من الدول”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “سبب نجاح مبادرة الحكم الذاتي ليس فقط هي وجاهة تصور المقترح أو الحملة الديبلوماسية التي تمت لإنجاحه، بل نجح لأنه جاء في فترة كان المغرب يعرف فيها طفرة إصلاحية هامة على جميع المستويات السياسية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية”، معتبرا أن “الدول انتبهت إلى اجتهاد المغرب وتفرده في محيطه بديمقراطيته الناشئة التي كانت تستحق الدعم والمساندة، وهو ما زاد في إشعاع الحكم الذاتي”.
وذكر بنعبد الله الخطوة الثانية، أي قطع المغرب مع سياسة الكرسي الفارغ التي تبناها سنة 1984 بالعودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بحيث أضحى بفضلها، بحسبه، “حاضراً على كل المستويات، خصوصا الإفريقية منها. واليوم، نطور علاقات متينة مع عديد من الدول الإفريقية، ولكل ذلك صارت قضية الصحراء المغربية، ولو أن الهيئة الإفريقية لا صلاحية لها لحلها، تطرح بشكل أو بآخر والمغرب موجود ولا يمكن تمرير أي مواقف عدائية”.
وقال إن “أزيد من 100 دولة تعترف إما بمغربية الصحراء أو بالحكم الذاتي كمقترح وحيد وواقعي في إطار السيادة المغربية، كما تم تدشين عشرات القنصليات بالعيون أو بالداخلية، رغم أن التقييمات تختلف حول أهمية هذا الأمر لكن له رمزية بالنسبة لبلدنا”، مبرزا أن “من ضمن الدول التي عرف موقفها حول الصحراء تحولا مهما، في ظل العملية الديبلوماسية، الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا هولندا، وغيرها من الدول الهامة”.
لكن، رغم ذلك، لفت بنعبد الله إلى أن “الملف على المستوى الأممي والدولي مازال مطروحاً دون بروز أفق قريب لحل نهائي؛ فبقدر ما المغرب يحسن مواقفه بقدر ما تزداد الحدة والشراسة والمناورات من طرف أعداء وحدتنا الترابية”، ضاربا المثل “بالجزائر، التي بلغت درجة عالية من الخطورة على مستوى الرأي العام الجزائري الذي ما فتئ يصرف مواقف غير مسبوقة”، كما “ظهرت استفزازات، بما فيها العسكرية، مثلما حدث في السمارة مؤخرا”.
ويبقى، تبعا لبنعبد الله، “أهم ما يعتمد عليه المغرب، هو الإجماع الوطني، الذي يشكل ورقة رابحة منذ بداية النزاع، وهذا الإجماع شكل صخرة تكسرت عليها جميع المناورات التي حيكت ضد وحدتنا الترابية”، داعيا إلى “الحفاظ عليها، ليس تصريحا أو تعبيرا عن نية، بل كممارسة مرتبطة بتمتين الجبهة الداخلية”، وقال: “هناك تعامل اعتمد على أوساط بعينها، والحال أن خمسين سنة مرت وأجيالا جديدة صعدت وطاقات شابة برزت، وبالتالي يتعين أن تجد نفسها في هذا المشروع الكبير المرتبط بالصحراء المغربية”.
ولم يفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن يذكّر بـ”ضرورة إيجاد سبيل للتأطير السياسي في الأقاليم الجنوبية، والقطع مع منطق الاستفادة وسياسة الريع والمصالح”، موضحا أنه “يجب أن نخرج من هذه السياسة في صحرائنا المغربية تدريجيا، وعلينا أن نعطي أحسن صورة عن بلدنا، لأن الجزائر ستستمر في معاكستها للمغرب طالما أن هناك نظاما يعتمد على العسكر. لذلك، يجب أن نعتمد على ذاتنا وإمكاناتنا”.
المصدر: وكالات