في الحوار التالي، يتحدث المدير الجهوي للوكالة الوطنية للمياه والغابات بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، سعيد بنجيرة، عن الاستعدادات التي تقوم بها الوكالة لمواجهة خطر الحرائق المتربصة بغابات شمال المغرب، التي تتصدر قائمة الأكثر تهديدا في المغرب بالحرائق وباتت تشكل كابوسا لسكان أقاليمها الممتدة.
ويعتقد بنجيرة أن الغطاء الغابوي الكثيف والمتنوع بتراب الجهة يرشحها لتكون أكثر تهديدا وعرضة لخطر الحرائق، مؤكدا أن التعزيزات والاستعدادات جارية للتصدي لأي حريق بشكل سريع، مبرزا أهمية اللقاءات التنسيقية حول الموضوع بمختلف العمالات والأقاليم، فضلا عن دور التجهيزات والآليات في تعزيز قدرات هيئات التدخل لإخماد النيران المحتملة.
وكشف المسؤول ذاته طريقة التعامل مع الحريق من خلال تحديد مستواه في المرحلة الأولى، الذي يكون حاسما في الجهة التي ستسند إليها مهمة إخماده، والأولويات التي ينبغي الحرص عليها وحمايتها في أي عملية.
نص الحوار:
بداية، لماذا تتصدر الجهة التي تشرفون على مديرية الوكالة الوطنية للمياه والغابات فيها لائحة المناطق الأكثر تهديدا بالحرائق في المغرب؟
كما يعلم الجميع، فإن جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تزخر بمؤهلات طبيعية غنية ومتنوعة، وتتميز بتشكيلات غابوية جد مميزة، تمتد على مساحة تناهز 512 ألف هكتار، كما تتوفر على 21 منطقة محمية، تعتبر ضمن المحيط الطبيعي الحيوي الذي يناهز 500 ألف هكتار بين المغرب وإسبانيا.
وتلعب هذه الغابات أدوارا مهمة، منها ما هو اجتماعي واقتصادي، ولكن يبقى الأهم هو الدور البيئي الذي تلعبه في الحفاظ على التربة والثروات المائية في المنطقة، غير أن هذه الغابات تواجه ضغوطات عدة، منها تهديدات الحرائق، ناتجة عن عوامل بشرية وطبيعية عدة، متعلقة بنوعية الغابات المتواجدة بالمنطقة وكثافتها والعوامل المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة والرياح القوية في فصل الصيف وانخفاض نسبة الرطوبة، كل هذا يجعل هذه الغابات عرضة للحرائق.
ماذا عن العنصر البشري ودوره في المخاطر المحدقة بالغابات؟
العنصر البشري يشكل العنصر الرئيسي في مجال التهديد بالحرائق، إذ إن حرية الولوج إلى المجال الغابوي من طرف الساكنة والمواطنين تزيد من حدة الخطر، حيث توجد مجموعة من المداشر بداخل الغابات وبجوارها، بالإضافة إلى أن الكثافة السكانية المرتفعة التي تعرفها المنطقة تفاقم من حدة الخطر، إذ تفوق 120 نسمة في الكيلومتر مربع.
وهناك عوامل أخرى قد تؤدي إلى حرائق الغابات، كرمي أعقاب السجائر وطهي الطعام والتدفئة والرعي وإحراق بعض النفايات الفلاحية والمنزلية، بالإضافة إلى الترامي على الملك الغابوي وتوافد المصطافين على الغابة، وهي كلها عوامل بشرية تجعل المنطقة معرضة للحرائق.
كيف ترى معدل الحرائق الذي سجلته الجهة خلال السنة الماضية مقارنة بسابقتها؟
خلال سنة 2023، سجلت الجهة 168 حريقا التهم 1450 هكتارا، وهو معدل منخفض مقارنة مع 2022 التي شهدت 202 حريق أتى على أكثر من 16 ألفا و400 هكتار. وبفضل الجهود المتضافرة من قبل الجميع، كان الانخفاض جد مهم.
كيف تستعدون لمواجهة الصيف الحالي ومخاطر اشتعال الحرائق في غابات الشمال الشاسعة؟
منذ أشهر ونحن نعد، والاجتماع الأولي عقدناه خلال شهر أبريل برئاسة السيد الوالي وحضره عمال أقاليم الجهة، وكذلك المسؤولون الجهويون للوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية والأمن الوطني والقوات المساعدة، وبعض المتدخلين الآخرين.
وجرى تقديم عرض من قبل المديرية الجهوية للمياه والغابات، تم خلاله الوقوف على التدابير الواجب اتخاذها والاستعداد لفترة الحرائق.
وتلت هذا الاجتماع اجتماعات أخرى على صعيد كل إقليم برئاسة السادة العمال، وكذلك عقدت اجتماعات عدة على الصعيد المحلي في القيادات والجماعات لتحسيس للساكنة المحلية وتتبع الفرق التي تتم تعبئتها خلال فترة الحرائق.
ماذا عن التجهيزات والمعدات التي تستعمل في إخماد الحرائق في حال نشوبها؟
الوكالة الوطنية للمياه والغابات اقتنت مجموعة من المعدات والوسائل الخاصة بإخماد الحرائق، وتم توزيعها على جميع عمالات وأقاليم الجهة، وذلك في إطار اتفاقية شراكة.
كما قامت المديرية الجهوية بتعيين 503 حراس الحرائق، موزعين على مستويين: الأول، أبراج المراقبة التي تتواجد بمناطق مرتفعة لمراقبة المجالات الغابوية والمناطق الحساسة. والثاني، فرق تدخل تتم تعبئتها للتدخل عند نشوب أي حريق.
كما جرى في السنة الماضية تعزيز المديرية الجهوية بسيارات التدخل الأولي، وحاليا نتوفر على 41 سيارة تدخل أولي تصل إلى مناطق جد وعرة وبعيدة يصعب على الشاحنة الوصول إليها، وهذه السيارات لها دور مهم في إطفاء الحرائق.
بالإضافة إلى ذلك كله، هناك برامج متعلقة بفتح وصيانة المسالك الغابوية، وصيانة أبراج المراقبة، وصيانة مصدات النار وبعض نقط الماء الضرورية في عملية إخماد الحرائق.
ونعمل مع جميع المتدخلين وفق منهجية محكمة وفي إطار مؤسساتي يحدد لجميع الشركاء تدخلاتهم.
كيف ذلك؟
عندنا 4 مستويات من الحرائق، الأول تكون فيه التدخلات الأولية للمياه والغابات والوقاية المدنية، والمستوى الثاني تكون فيه التدخلات الجوية وتعزيز عملية المكافحة الميدانية، والمستوى الثالث يجري فيه تعزيز التدخلات الجوية والميدانية بوحدات أخرى من القوات. وأخيرا، المستوى الرابع، وهو مستوى التعاون الدولي.
وقد راكم المغرب منذ سنوات تجربة مهمة سواء من ناحية التدخلات الميدانية، أو التدخلات الجوية بطائرات الكنادير التي تقدم دعما كبيرا للفرق الميدانية لتطويق الحرائق في فترة قصيرة.
في حال نشوب حريق في منطقة غابوية ما، كيف تتفاعل المديرية معه؟
عند اندلاع الحريق، يتم إخبار جميع المتدخلين وتتم تعبئة الفرق الميدانية، ويكون التدخل وفق منهجية مضبوطة، حيث الأولوية دائماً تعطى لسلامة فرق التدخل، ثم حماية حياة المواطنين، وثالثا حماية الأملاك والتجهيزات، ورابعا حماية الغابات والأوساط الطبيعية.
ألا ترى أن التحسيس بمخاطر الحرائق مازال ضعيفا ويتطلب جهودا أكبر؟
بالفعل، حددت الوكالة الوطنية للمياه والغابات، بتعاون مع شركائها المعنيين، كوزارة الداخلية والوقاية المدنية، تاريخ 21 ماي من كل سنة يوما وطنيا للتحسيس بمخاطر حرائق الغابات على الصعيد الوطني، تماشيا مع مرتكزات استراتيجية غابات المغرب 2020-2030 التي أعطى انطلاقتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2020، الهادفة بالأساس إلى الحفاظ على الموروث الغابوي.
وقد اختارت الوكالة الوطنية للمياه والغابات هذه السنة إشراك الجيل الناشئ في عملية التوعية بمخاطر حرائق الغابات من خلال تقديم أنشطة تحسيسية وبرامج توعوية ستقام بالمؤسسات التعليمية في عدد من جهات المملكة.
وترمي هذه المبادرة إلى توعية التلاميذ بأهمية الغطاء الغابوي وضرورة المحافظة عليه من قبل الصغير قبل الكبير، خصوصا في ظل التغيرات المناخية الصارخة التي يعيشها العالم، والتي تزيد من حدة إشكالية ندرة المياه والجفاف، وأيضا حرائق الغابات.
ولن تقتصر هذه التظاهرة على الجيل الصاعد، بل ستشمل حملات تحسيسية بجل غابات المملكة موجهة للساكنة المجاورة ومرتادي هذا الفضاء الأخضر، ودعوتهم إلى المساهمة في المحافظة على الغابات، عبر الالتزام بالسلوك المسؤول وعدم الاستهانة بأي سبب يمكن أن يؤدي إلى نشوب حريق، وتبليغ السلطات في حال نشوبه.
المصدر: وكالات