قال الأكاديمي عبد الإله بلقزيز إن الأديب والصحافي والسياسي عبد الكريم غلاب “رجل من أكابر رجالات هذا البلد في العمل الوطني والإنتاج الفكري والعطاء الصحافي”.
واهتم بلقزيز بنموذج غلاب في إطار مبادرة تحتفي بأعلام المغرب، منبها إلى “العلاقة العضوية التي انتُسجت في تجربة الراحل الكبير ما بين الوطنيّ والفكري، وما بين السياسي والمعرفي”، مضيفا: “هي علاقة تكاد تكون نادرة الأشباه والنظائر في هذا البلد، ولا أعثر على كثيرين يمثلون هذه العلاقة في المغرب، ما خلا أسماء مثل القائدين الكبيرين الراحلين علال الفاسي وعبد الله إبراهيم، وإلى حد ما محمد بن الحسن الوزاني”.
وتابع كاتب “الخطاب الإصلاحي في المغرب” بأن عبد الكريم غلاب “اجتمع فيه ما تفرق في غيره؛ المناضل والمثقف، المبدع، الصحافي، المؤرخ، الباحث، المفكر، والسياسي الملتزم، بالمعنى الشامل”، لأنه التزم “بالعمل الوطني نهجا وأفقا وخيارا، وبالعمل الحزبي في مؤسسة وطنية عريقة هي حزب الاستقلال”، والتزم أيضا “بالشأن العام بالبوح الذي ظل يفصح عنه يوميا في جريدة ‘العلم’ وزاويته ‘مع الشعب’”.
وقال بلقزيز إن “الاجتماع بين المثقف والمناضل”، لدى غلاب، “مبناه على وعي، وعلى دراية وإدراك حاد لديه” بأنه “ما من إنتاج فكري ومعرفي رصين، أو إنتاج أدبي راق، لا تكون خامته مسألة الاجتماع الوطني”، وبأنه “ما من فعل سياسي وطني على الحقيقة لا يكون مسندا برؤية فكرية يسترشد بها، فالسياسة دون رؤية عمياءُ، ويمكن أن تقود إلى مهالك لا يحسب لها حساب”.
ثم ذكر المفكر المغربي أنه سمع من غلاب قولَه “السياسة على الحقيقة السياسة الحكيمة”، أي إن اجتماع كل الأبعاد المذكورة في شخصيته لم يكن “اعتباطيا”، بل “كان مُدركا، وفي كثير من كتاباته كان ينظّر له باعتباره وحده العلامة الصحية الصحيحة للثقافة والسياسة على السواء”.
وذكّر بلقزيز بأن الفقيد كان سنة 1993 رئيسا للمنتدى المغربي العربي، الذي كان الشاهد أمينا عاما له، وهناك “جمع خيرة مثقفي البلد من التيارات والمنابت، بأنشطة كل أسبوع”.
في هذا العهد “كان حريصا على تذكير كثير من المثقفين بأن الخيارات الثقافية التي لا تنهج خيارا وطنيا واضحا تدور في حلقة مفرغة وتستهلك نفسها (…) وينبه السياسيين إلى الحاجة إلى أن يصغي رجل السياسة إلى المثقفين، فهو وحده لا يستطيع تأسيس رؤية، فمجاله ضيق وحساباته شحيحة لا تسمح له برؤية الصورة كاملة، فيما المثقفون بوسعهم رؤية ما وراء الظواهر المباشرة، وأن يزودوا بها السياسيين ليستندوا إلى أساس مكين، ويكون إنتاجهم ناجعا، فتكون الأخطاء قابلة للتدارك والاستيعاب”، يورد المفكر ذاته.
وفي إطار مبادرة مؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم، والمعهد العالي للإعلام والاتصال، بدعم من وزارة الثقافة، اختتم بلقزيز شهادته حول صاحب “دفنا الماضي” و”لم ندفن الماضي” قائلا: “كان نموذجا فذا للجمع النادر بين الرأسمال الوطني السياسي والرأسمال الثقافي المعرفي”.
المصدر: وكالات