كثُر الحديث، في الأسابيع الأخيرة، عن إصلاح التقاعد بالمغرب، خصوصا بعد التصريحات التي أطلقتها نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية في مجلس النواب، بشأن مباشرة إصلاح هذا الورش الكبيرة مع بداية سنة 2024، وسط ظرفية صعبة واحتقان اجتماعي في عدد من القطاعات الحكومية يساهم في مضاعفة التحديات أمام الحكومة ورغبتها في إصلاح الملف الذي يحتمل الكثير من التأجيل.
هذه التوقعات زاد من حدتها تقرير المجلس الأعلى الحسابات، الذي أوصى بإحداث الآليات المستدامة المناسبة لتمويل باقي مكونات الحماية الاجتماعية وإعادة النظر في حكامة الحماية الاجتماعية بشكل عام، وفي حكامة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشكل خاص؛ الأمر الذي شكل رسالة وإنذارا جديدا بهذا الخصوص.
كما أعاد المجلس، في تقريره المثير، التأكيد على التوصيتين اللتين أصدرهما في تقريره السنوي لسنة 2021 المتعلقتين باعتماد آليات “التمويل الكفيلة بضمان استدامة واستمرارية التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وتمكين المؤمنين من حصة ملائمة لتغطية تكاليف العلاجات”، بالإضافة إلى “تطوير وتأهيل المؤسسات الاستشفائية في القطاع العام قصد توفير عرض العلاجات وتحسين جودة الخدمات الصحية في هذا القطاع على صعيد جميع جهات المملكة”.
وذهب التقرير إلى أنه إذا كان تعميم الحماية الاجتماعية يعتبر “ورشا كبيرا وطموحا، فإن تحقيق أهدافه قد تواجهه بعض المخاطر التي يمكن اعتبارها في آن واحد عوامل نجاح رئيسية للإصلاح”، مبرزا أنها تتجلى في التمكن من “استقطاب جميع الأشخاص المستهدفين، والقدرة على تحقيق التوازن المالي لأنظمة التأمين الإجباري عن المرض، والإلمام الدقيق بالساكنة المستهدفة بالتأمين التضامني وضبطها، وقدرة القطاع العمومي على استقطاب جزء مهم من طلبات العلاجات، وتواجد القدرات الضرورية التي يحتاجها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى توافر الحكامة الجيدة والفعالة”.
جمال أغماني، وزير التشغيل الأسبق، اعتبر، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن إصلاح أنظمة التقاعد “مطروح منذ سنوات؛ لأن المؤشرات المتوفرة على نظام التقاعد تبرز الحاجة إلى هذا الإصلاح”، مؤكدا أن من المهم دخول المغرب في “التعميم التدريجي لأنظمة التقاعد على عدد من الفئات، التي لم تكن مشمولة والتي يتم إدخالها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”.
وأضاف أغماني أن مظاهر الأزمة بادية على التوازنات وتظهر على نظام التقاعد الاجتماعي، مبرزا أن “الإصلاح الذي تم في إحدى الحكومات السابقة أجل العجز”، لافتا إلى أن الحكومة الحالية “تفكر أو أصبح مطروحا عليها إجراء هذا الإصلاح في ظرف اقتصادي صعب يمر منه الاقتصاد الوطني”.
وأشار الوزير الأسبق إلى أن الجفاف وارتفاع نسبة التضخم والمطالب الاجتماعية لتحسين الأجور إلى غير ذلك كلها عوامل ستزيد من حجم الضغط على ملف إصلاح التقاعد، مشددا على أن أطراف الحوار الاجتماعي الثلاثة “من المفروض أن تتوصل إلى صيغة تسمح بإجراء هذا الإصلاح”.
وسجل أغماني أن من المنتظر أن يشمل الإصلاح “مراجعة قيمة الاشتراكات وقيمة التعاقد نفسه التي يتم التوصل بها من طرف المتقاعدين، وغيرها من الأمور التي ينتظر أن يشملها هذا الإصلاح”، معتبرا أن إيجاد صيغة توافقية بين الأطراف ومقبولة تؤدي إلى الإصلاح أمر “جوهري في العملية”، لافتا إلى أن هناك إكراهات “سواء تعلق الأمر بالحكومة وميزانية الدولة أو بالنسبة للأجراء أو موظفي القطاع العام”.
وأشار المسؤول الحكومي الأسبق إلى أن التصورات التي كانت وما زالت على جدول الأعمال تتمثل في “كيفية الوصول إلى توحيد أنظمة التقاعد، وهذا يقتضي الوصول إلى توحيد نظام التغطية الصحية”، لافتا إلى أن هناك “المؤمنين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي وهناك شركات التأمين الخاصة، التي تدخل في الموضوع رغم أن القانون يقول إن شركات التأمين الخاصة عليها أن تركز على التغطية الصحية التكميلية؛ لكن إلى حد الآن ما زالت الكثير من الشركات الخاصة تؤمن لدى شركات التأمين الخاصة وهذا مخالف للقانون”.
وأكد أغماني أن كيفية الوصول إلى الحل “هو جوهر الإصلاح المفروض أن نصل إليه، كما وصلت إليه العدد من الأقطار والدول التي سبقتنا”، والذي ينبني على ما سماه “مبدأ التضامن ما بين الأجيال وغيرها من الصيغ التي تبني عليها بلادنا أنظمتها الاجتماعية أو أنظمة الحماية الاجتماعية”.
من جهته، اعتبر الخبير حسن المرضي أن إصلاح أنظمة التقاعد في إطار شموليتها “لا بد من تسجيل أن الحكومات المتعاقبة كل واحدة منها كانت تقدم حلا ترقيعيا وليس إصلاحا شموليا”، مؤكدا أن الهدف هو “تحقيق إصلاح شمولي يضمن لنا الارتياح لمدة 20 سنة على الأقل”.
وسجل المرضي، في حديث مع هسبريس، أن الإصلاحات والمراجعات التي همت مقاييس أنظمة التقاعد في عهد حكومة عبد الإله بنكيران “لم تفدنا ولن تعطينا أجل طويل، ولولا إدماج أطر الأكاديميات في الصندوق المغربي للتقاعد لكانت الكارثة أكبر”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن التوازنات المالية لأنظمة التقاعد تعرف مجموعة من الاختلالات، “خصوصا الصندوق المغربي للتقاعد الذي يعاني أكثر من الصناديق الأخرى؛ بالنظر إلى طريقة احتساب المعاش والمقاييس التي يعتمدها”، مبرزا أن الموظفين النشيطين “تحملوا قسطا كبيرا من الاقتطاعات التي أضرت بقدرتهم المعيشية”.
وأشار الخبير ذاته إلى أن الحكومة الحالية يظهر أن لها “رغبة في الإصلاح؛ لكن يبدو أنها لم تفهم بعد ما يجب عليها القيام به في هذا الإصلاح، خاصة الشمولي وليس فقط المقياسي”، معتبرا أن الإصلاح المقياسي “سيضر أكثر المنخرطين النشطين والمحالين على التقاعد في المستقبل”.
وأكد المتحدث عينه أن هناك “تخوفا لدى شريحة كبيرة من الموظفين المنخرطين في نظام المعاشات المدنية؛ لأن الحكومة لا تحاول القيام بسياسة تواصلية مع المنخرطين النشطين لطمأنتهم”، مستدركا أن الدولة مسؤولة وتتابع مؤسساتها الورش الكبير الذي ينتظر المغاربة، خاصة المؤسسات الدستورية كالمجلس الأعلى للحسابات الذي يصدر كل مرة في تقريره تنبيهات للاختلالات من أجل الحفاظ على التوازنات المالية لصندوق التقاعد، فضلا عن المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”.
وحث المرضي الحكومة على تسريع “الإصلاح الشمولي الذي سيحافظ على التوازنات ويحاول توحيد صناديق التقاعد على الصعيد الوطني”، مؤكدا أهمية اعتماد “السياسية التشاركية في الإصلاح ولا تعتمد فقط على مكاتب الدراسات التي تستنزف موارد مالية مهمة من ميزانية الدولة”، حسب تعبيره.
المصدر: وكالات