انتقل “السجال الدبلوماسي” لفرنسا من المحيط الإفريقي مع المغرب ومنطقة الساحل، والمحيط الشرقي مع الصين وروسيا، إلى محيطها الإقليمي مع إيطاليا، على خلفية قضايا الهجرة.
ووضعت تصريحات وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، حسبما ما نقلته وسائل إعلام إيطالية وفرنسية، “العلاقات بين باريس وروما على شفا أزمة دبلوماسية لا تختلف عن نظيراتها في أسيا الشرقية وإفريقيا”.
واعتبر دارمانان، حسب ما صرح به على إذاعة “إر إم سي”، أن “الجهود الإيطالية في مكافحة الهجرة ليست كافية، وهو ما يسمح بوصول عدد كبير، خاصة من تونس، إلى الحدود الفرنسية”، الأمر الذي قابله رد إيطالي صارم، عبر تأجيل الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية أنطونيو تاجاني.
التناقضات السياسية “الماكرونية”
عبد النبي صبري، الخبير السياسي وأستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “إدارة ماكرون فتحت على نفسها جبهات حرب دبلوماسية متعددة، فهي لم توقر الدول الإفريقية، وبدأت حاليا انتهاج خطابات معادية مع شركائها الأوروبيين”.
وأورد صبري، في حديث لهسبريس، أن “المجتمع الدولي بدأ يستشعر مدى الانحدار الذي وصلت إليه السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ماكرون؛ فيما ردود إيطاليا مشروعة، لأن تحميل مسؤولية تدفق المهاجرين لروما غير منطقي في وقت فرنسا مسؤولة بشكل مباشر عن الوضع الذي يعجل بهجرة الأفارقة”.
وأشار الخبير السياسي وأستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط إلى أن “سياسة ماكرون الخارجية لا تظهر للعيان، بل تبقى العديد من المعطيات في الخفاء، وهو الأمر ذاته الذي حصل مع المغرب، الذي انتبه إلى تناقضات السياسة الماكرونية، وقطع الطريق أمام تلاعباتها”.
وفي جوابه عن سؤال تأثير هاته الأزمة الجديدة بين باريس وروما على صورة ماكرون داخل الاتحاد الأوروبي، يؤكد صبري أن “فرنسا سبق لها أن استغلت أوروبا من أجل مصالحها الخاصة، خاصة ألمانيا وإيطاليا، وإسبانيا، والأزمة الحالية مع روما ستفتح أعين الشركاء الأوروبيين لتقييم سياستهم مع إدارة ماكرون، التي بعد أن فقدت شعبيتها الداخلية تسير في طريق فقدان الثقة على مستوى المنتظم الدولي”.
إشكال سياسي داخلي
من جانبه، أبرز العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن “فرنسا تعيش إشكالا داخليا في ظل غياب استقرار سياسي يتزامن مع ولاية ثانية لماكرون، تشهد مجموعة من السياسات الارتجالية في ما يخص العلاقات مع الشركاء”.
وأورد الوردي، في حديث لهسبريس، أنه “على غرار ما يقع حاليا مع إيطاليا دخلت فرنسا في جدال دبلوماسي مع المغرب، وهو أمر غير معهود لدى باريس، التي حرص رؤساؤها السابقون على إعطاء المملكة مكانة متقدمة، الأمر الذي جر على ماكرون جملة من الانتقادات، سواء من الرباط أو من الفرقاء السياسيين المحليين”.
واعتبر أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس أن “الثقة التي تعتبر من أسس العلاقات الدولية بدأت تغيب عن الدبلوماسية الفرنسية في علاقتها بالشركاء الدوليين الكبار، الأمر الذي تجلى ظاهريا خلال زيارة ماكرون إلى الصين، وما قابلها من توجس أوروبي وأمريكي”.
“الاتحاد الأوروبي بدأ يفقد بريقه بعد مرحلة كورونا، بسبب فقدان الثقة بين دوله”، يؤكد المتحدث ذاته، مردفا بأن “سياسة ماكرون الحالية تساهم في تمزيق الوحدة الأوروبية، الأمر الذي يستدعي منه تغيير أوراقه مع شركاء بلاده المحليين والخارجيين، وفي مقدمتهم المغرب”؛ خالصا بذلك إلى أن “ماكرون لن يحصل على ولاية جديدة، وهو أمر مؤكد، ما يجعل المغرب في وضع مريح تجاه تحركات سياسته الخارجية، التي تنبني على الحزم والبراغماتية”.
المصدر: وكالات