مشاهد دمار تتكرر، الفاجعةُ ممتدةٌ، حوالي ثلاثةِ آلافِ دوار بستةِ أقاليمَ مغربيةٍ هي اليومَ منكوبةٌ، ساكنتُها اتخذّتْ منَ الخيامِ ملجأً، القلوبُ مازالت منفطرةً على الضحايا، والاجتماعاتُ تُعقدُ كلَّ حينٍ لإعدادِ خطةٍ لإعادةِ الإعمار.
مرت قرابة شهر على اهتزاز الأرض في الثامن من شتنبر الماضي. في كل المناطق التي مررنا منها تشهد آثار التدمير، الركام مازال منتظرا، والساكنة مازالت تتذكر ليلة وقوع الحادثة.
ذكريات ليلة الفاجعة
التقينا الحسن أيت إيدر، من دوار ازرهون السوق بجماعة ثلاثن يعقوب، هذه المنطقة التي كانت شامخة فباتت حطاما؛ بيت أهله الذي كان قبلة للسياح والممثلين لتمثيل عدد من الأفلام والمسلسلات المغربية لم يتبق منه اليوم شيء.
الشاب ذو الوجه البشوش مازال يتذكر ليلة الثامن من شتنبر بجميع تفاصيلها، وكيف تحولت ليلة احتفال بمولود جديد إلى جنازة جماعية، فحينها كان أغلب سكان الدوار مجتمعين للاحتفال بعقيقة مولود جديد، وبينما الضحكات تتعالى أخفاها صوت قوي، هي الأرض تهتز من تحتهم والجبال تتحرك حولهم، جروا جميعهم إلا قليلين انهدمت منازلهم فوقهم.
يتذكر أيت إيدر الليلة ويقول: “العقيقة أنقذتنا، لو لم نكن حينها مستيقظين لمات جميع من في الدوار، مثلما ماتت زوجة ابن عمي وطفلاها الصغيران”، ويتابع: “خرجنا ونحن لا نعرف ما الذي يحدث، لم نستوعب شيئا، والجميع ظل ينتظر لحظة طلوع الشمس لنكتشف هول الفاجعة، وحينها بدأنا نبحث عن المفقودين”.
وأردف المتحدث ذاته: “طيلة يوم بحثنا عن زوجة ابني عمي وطفليها، ولم نجدها حتى اقترب موعد العصر، أخرجناها من تحت الركام وقد سقط المنزل فوق جسدها الذي أخفت طفليها تحته حتى لا يصيبهما شيء، وبالفعل كانا سليمين ليست بهما أي آثار جروح، ولكن رغم ذلك ماتا”، وزاد: “ربما ماتا اختناقا”.
مشاهد الدمار
ما إن تقتربْ منَ الدواويرِ والجماعاتِ حتى تلوح مظاهرُ الخرابِ، رائحةُ الموتِ تنتشرُ في المكانِ، كانوا هنا بالأمسِ، لكن الأرضَ ابتلعتْهُمْ على حينِ غرة، وفَقَدَ آخرونَ أطرافًا من أجسادهم، أو أحبابًا لهم؛ تبكي قلوبُهم لكنَ الوجوهَ ترسم ابتسامةً، ابتلوا فصبروا.
بدوار تارغا بإقليم الحوز التقينا منصف، الذي أخرج رفقة أبناء الدوار حوالي عشر جثث، صحبنا في رحلة في دواره الذي لم يتبق منه شيء، وبجانبه مقبرة ووريت فيها جثامين 25 شخصا فقدوا منه.
قال منصف: “تعذبنا كثيرا، ومازال العذاب مستمرا، نعيش في الخيام التي لا تقي من برد الليل وتتحول إلى فرن في الصباح، ونخاف أن تأتي الشتاء ونظل على هذا الحال”.
حصيلة عمل وزارة الصحة
الساعاتُ الأولى بعد الكارثة بدأ التدخلُ، تضافرتْ جهودُ الجميعِ، مواطنونَ، جيشٌ، وقايةٌ مدنيةٌ، وأطرٌ صحيةٌ، لكن رغمَ ذلكَ كانتِ الحصيلةُ ثقيلةً؛ حوالي ثلاثةِ آلافِ شهيدٍ، إلى جانب أزيدِ منْ خمسةِ آلافِ جريحٍ.
تحدث مستعد عبد الحكيم، المدير الجهوي لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية بجهة مراكش آسفي، عن خطة العمل التي تم اتباعها خلال الواقعة.
وقال عبد الحكيم ضمن تصريح لهسبريس إن جهود الجميع تضافرت، وكانت البداية بتوفير حوالي 124 سيارة إسعاف لنقل المصابين، إضافة إلى سيارات الإسعاف التي وفرتها كل من الوقاية المدنية والقوات المسلحة الملكية، ثم توفير أماكن الاستشفاء، إذ تم توفير طاقة استيعابية تصل إلى 800 سرير خلال اليوم الأول للفاجعة؛ مع وضع خطة احتياطية باللجوء إلى مستشفيات أخرى، مثل المستشفى الجامعي، والمستشفى العسكري، والمصحات الخاصة، بالإضافة إلى 400 سرير معدة بمدن مجاورة.
وأضاف المسؤول ذاته: “هذه الطاقة الاستيعابية لم نحتج إلى استعمالها كاملة، لهذا ظلت الوضعية متحكما فيها”، متحدثا كذلك عن الموارد البشرية، من أطباء وممرضين، إذ قال: “عبأنا منذ اليوم الأول جميع الأطباء والطبيبات المشتغلين بالجهة، واشتغل 285 طبيبا، بالإضافة إلى 772 ممرضا وممرضة، وأطر إدارية وتقنية أخرى؛ كلهم اشتغلوا 24 ساعة على 24 ساعة طيلة الأيام الأولى من أجل تسهيل ولوج المصابات والمصابين للعلاج اللازم”.
تسارعتِ الخُطَى في الميدانِ، وأيضًا داخلَ المستشفياتِ، فُتحتِ الأبوابُ لاستقبالِ المصابينَ، فمنهم من حالتهم خطيرةٌ استدعتِ الإنعاشَ، وآخرون تطلبَتْ حالتُهم إجراءَ عملياتٍ استعجاليةٍ، والباقونَ متأثرون من هولِ الصدمةِ.
المركز الاستشفائي الجامعي بمراكش هو من أهم الوجهات التي استقبلت المصابين ليلة الزلزاال، وحظي أيضا بزيارة ملكية؛ يتذكر الحس بوخليل، مديره العام، تفاصيل اليوم الأول جيدا، متحدثا عن خطة العمل منذ الساعات الأولى للواقعة.
وقال بوخليل: “تم تشكيل خلية أزمة يترأسها والي الجهة، وكان المطلوب منا حينها فرز المرضى وتوجيههم حسب خطورة إصابتهم”، وأضاف: “قمنا أيضا بخلق مسارات العلاج، فالحالات الخطيرة يتم توجيهها إلى مركز مقاومة الصدمات أو الإنعاش، مع توجيه حالات أخرى إلى مصالح الجراحة، وأخرى للاستشفاء”.
وتابع المتحدث ذاته بأنه “في اليوم الأول تم استقبال 1300 حالة، بما يشمل 215 طفلا، وتم خلال الأيام الثلاثة الأولى إنهاء جميع عمليات الجراحة اللازمة بمعدل 50 عملية يوميا”.
طرق متضررة
الرحلةُ من إقليمٍ إلى آخرَ ليستْ بالسهلةِ، فالزلزالُ ضربَ منطقةً ذاتَ تضاريسَ صعبة، أما الطرقُ فليست مجهزةً جيدًا، ناهيكَ عن تضرُرِها هي الأخرى.
نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أكد في تصريح لهسبريس أن “عدد الطرق والمسالك القروية المقطوعة جراء الزلزال بلغ 65 طريقا على طول 924 كيلومترا، منها ثلاث طرق وطنية على طول 146 كيلومترا، وثلاث طرق جهوية و14 طريقا إقليمية و49 طريقا غير مصنفة على طول 465 كيلومترا؛ فيما تمت تعبئة 220 آلية و220 سائقا لفتحها”.
أما عن تدهور الطرق التي كانت سببا في جعل عملية الإنقاذ صعبة فقال الوزير: “الطريق الوطنية رقم 7 لا ترقى إلى تصنيفها كطريق وطنية، لم يبذل أي جهد لتصل إلى هذا المستوى، ونحن اليوم مقبلون على مراجعتها وفقا للتعليمات الملكية”، وتابع بأنه “يتم الآن العمل على رفع الأحجار التي تتساقط، والعمل بطريقة استباقية”.
وأردف بركة: “ظهر أن بعض الطرق متضررة جدا، وأن الجبال بها تضاريس كثيرة، وبالتالي نعمل على توسيع هذه الطرق، حتى إذا كانت هناك أي صخور كبيرة أو انجراف للتربة في حال تساقط الأمطار لا تنقطع”.
الخيام هي الملجأ
أينما وُجدت ساحةٌ بالقربِ من مساكنهم يضعونَ خيامهم، الحياةُ تغيّرتْ بالكامل، باتوا هناك يأكلونَ ويشربونَ، يضحكونَ ويبكونَ؛ هناك يتذكرونَ ويستقبلونَ ضيوفهم.. تغير الوضعُ كثيرًا لكنَ قلوبهم ظلتْ صابرةً مُصْطَبِرَةً.
محمد الميدان، من ساكنة أمزميز، قال إن الحياة تغيرت بالكامل، “لكن ما لنا إلا الصبر على هذه المصيبة”، وتابع: “نعيش اليوم متحدين في ما بيننا، ننتظر ما الذي سيتم القيام به لإعادة إيوائنا”.
وزاد الميدان: “زارتنا لجنة أحصت المنازل المدمرة، وسألونا هل نرغب في إعادة البناء في منطقتنا أو في مكان آخر، فكان جوابنا: هنا فهذه أرضنا وهنا كل ما نملك من أحباب وأصحاب وجيران، لا نعرف لنا أرضا غيرها”.
أرقام رسمية
أعلنت وزارةُ الاقتصادِ والماليةِ أن مجموعَ المباني المنهارةِ، سواءً جزئيًا أو كليًا، فاقَ تسعًا وخمسينَ ألفًا، بمائةٍ وثلاثٍ وستينَ جماعةً يقطنها مِليونانِ وثمانِمائة ألف نسمة، خُصصت لها ثمانيةُ ملياراتِ درهم للمساعداتِ الاستعجاليةِ للأسرِ والمساعداتِ الماليةِ لإعادةِ بناءِ وهيكلةِ المساكنِ التي انهارت كليًا أو جزئيًا، وأربعةَ عشرَ مليار درهم لفكِ العزلةِ وضمانِ الولوجيةِ، وتوسعةِ وتقويةِ أزيدِ منْ ستِمائة كيلومترٍ من الطرقِ.
فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان، قالت إنه فور انتهاء إحصاء الساكنة المتضررة من زلزال الحوز سيتم الشروع في تنزيل المرحلة الأولى المرتبطة بتقديم الدعم المالي للمتضررين، ثم الانطلاق في المرحلة الثانية التي تهم إعادة الإعمار.
وستنطلق مرحلة الدعم المالي للأسر ابتداء من السادس من أكتوبر الحالي، في انتظار مرحلة إعادة الإعمار.
أما عن تصورها لإعادة إعمار القرى، وكيف سيكون شكلها، فقالت المنصوري إن “الكثير من ذوي النوايا الحسنة من مهندسين معماريين ومتطوعين يقترحون حلولا”، مردفة: “قمنا بتنظيم العمل لتكون هناك التلقائية بين جميع الأفكار”، مؤكدة أن هناك لجنة تقنية تشتغل على المواد التي سيتم البناء بها، ولجنة المهندسين المعماريين لتصور شكل القرى، وزادت معلقة: “الأكيد أنهم سيستعملون جميع الآليات، بما فيها الذكاء الاصطناعي والابتكار للخروج بحلول في أقرب وقت”.
مدارس محطمة
لم تسلم المدارسُ والأقسامُ التعليميةُ من هولِ الكارثةِ، تضررتْ ألف وخمسونَ مؤسسة موزعة على الأقاليمِ الستة، تضمُ ستينَ ألفَ تلميذٍ في المستوى الابتدائي، وتسعةَ آلافٍ بالثانويِّ الإعداديِّ، تم تنقيلهم إلى مؤسساتٍ قريبةٍ منهم تُوفرُ الإيواءَ في داخلياتٍ.
وقال أحمد الكريمي، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش آسفي، إن هناك مقاربة بيداغوجية لضمان استمرار التلاميذ في الدراسة، ترتكز على أربعة بدائل، أولها هو: إرساء أقسام الخيام بشكل سريع، أو القيام بتحويلات داخل المؤسسة من فصول إلى أخرى، وكذلك تحويل التلاميذ من مؤسسة إلى أخرى داخل الإقليم نفسه، ثم البديل الأخير وهو تحويلهم من إقليم إلى إقليم.
مآثر تاريخية متضررة
عمرّت مئاتِ السنين، تحملُ عبقَ التاريخِ وذكرياتِ الماضي، هي أيضا لم تسلم من اهتزاز الأرض، مآثرُ تاريخيةٌ بمناطقَ مختلفةٍ تضررت. الإحصاءُ مازالَ مستمرًا للوقوفِ على حجمِ الأَضرارِ، والترميمُ استعجلَ حمايةَ السكانِ.
وقال المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل، إن الوزارة تعمل في الوقت الحالي على إحصاء المآثر المتضررة، ونسبة التضرر بكل منها، مؤكدا أنه في الأيام الأولى كان الهدف هو ترميم الأسوار التي تحيط بالسكان حتى لا تقع مأساة جديدة، فيما سيتم وضع برنامج خاص بإعادة الترميم الشامل لكل المآثر المتضررة.
طلباتٌ بسيطةٌ وأمانيُّ متواضعةٍ هي كلُ ما تصبو إليهِ نفوسُ ساكنةِ المناطقِ المتضررةِ، على أملِ ألا يقتلَ الشتاءُ المُقبلُ أرواحًا أكثر من شدةِ البردِ الذي لا تقي الخيامُ من وطأته.
المصدر: وكالات