قد تلوح مغربية بجنسية كندية أكثر من كونها كندية من أصل مغربي، وقد تبرز في حلة أوسع من التمثيل وانتقال الصوت عبر الأثير، هي ضابطة تماما لمجموعة من المهن الإبداعية السمعية البصرية، في أحيان، ومقبلة على الكتابة الدرامية بنهم شديد في أحايين أخرى، تلك هي بثينة معلاوي عند النظر إليها من مسافة بعيدة تتيح التموقع في زاوية واسعة.
تستفيد بثينة من بعد نظر اتسمت به أسرة معلاوي حين كانت ابنتها رضيعة، إذ دفعت بها إلى أنشطة متنوعة كي تنهل معارف من ميادين كثيرة، وعند لحظة الحسم يكون بمقدورها اتخاذ القرار عن دراية وليس بالاعتماد على التخمين، لكن هذه المغربية تواصل التمسك بكل الواجهات بحثا عن الفلاح، موقنة بأن هذا هو الأداء الأنسب وقت القدرة على مسايرة جميع الإيقاعات.
بين الغربة والمغربة
ازدادت بثنية معلاوي في إقليم كبيك وسط أسرة مغربية قادمة إلى كندا من مدينة الدار البيضاء، وقد نشأت في أحضان أسرة من 4 أفراد ضمن حي حريص على اكتساب غنى ثقافي من وفرة ذوي الأصول الأجنبية المتواجدين فيه، وفي مرحلة موالية انتقلت إلى تجمع سكاني مغاير، مفتقدة الثراء الإثني الذي اعتادت عليه سابقا.
تقول بثينة: ‘’ولدت في كندا، لكن ارتباطي بالمغرب حاضر منذ سنواتي الأولى بفعل الأسفار الصيفية التي كنا نقوم بها إلى الدار البيضاء، وحينها كنت ألازم البلد من شهرين إلى ثلاثة، ولذكريات تلك المرحلة حضور وجداني وازن عندي، بل إن عشقي الكبير للوطن الأم يتصل بكيفية مباشرة مع ما عشته خلال تلك الفترة’’.
من جهة أخرى، ترى معلاوي أنها حصلت على تنشئة في بيئة منزلية مغربية حيث يكلمها أفراد أسرتها بالدارجة المغربية، وتستفيد من الصداقة التي تجمع أبويها بمغاربة آخرين لتنمية معرفتها بأرض الأجداد، إضافة إلى التعابير الثقافية المتنوعة التي يتم تناقلها من خلال تناول المأكولات أو ممارسة التقاليد أو إحياء المناسبات على الطريقة المغربية، بينما تصير كباقي ناس كبيك حين تغادر المسكن.
تحفيزات مبكرة
تعتبر بثينة معلاوي أن أسرتها حرصت على تشكيل شخصيتها الحالية في وقت مبكر، وأنها وعت هذا التوجه بوضوح وهي في التاسعة من العمر، حين تدخل أبوها لمنعها من مرافقة تلميذة شجعتها على تزوير توقيع الأم على وثيقة مدرسية، وبالتالي صارت تستوعب وجودها بين أياد أمينة تحميها من التواجد قرب أفراد يحثون على أعمال سيئة.
كما تزيد الشابة نفسها: ‘’شكلت أسرتي حجر الزاوية في تأطيري، فقد كانت أمي حبلى بي عند القدوم من الدار البيضاء، وقد حضر الحرص على إعطائي وأخي، الذي يكبرني بـ3 سنوات، مفاتيح التطور رغم تواضع الإمكانيات حينها، إذ كانت البداية من الانخراط في دروس السباحة التي بدأتها وعمري شهران فقط’’.
وحرصت أسرة معلاوي على مواصلة تحفيز ابنتها، من جهة أخرى، من خلال ترسيخ إقبال بثينة على القراءة بنهم في المكتبات العمومية، وحثها دوما على الانخراط في أعداد وافرة من الأعمال المدرسية الموازية، مع التركيز على الأنشطة الفنية التي تتوفر على صلات وثيقة بكل من التعبير الجسدي وإلقاء الحكايات.
صقل المهارات
حرصت بثينة معلاوي، بعد الانتهاء من المرحلة التعليمية الثانوية، على نيل تكوين في مجال مناخ الأعمال الدولي، مع الانكباب على تحسين مستواها في التواصل باللغة الإنجليزية عبر الممارسة، ثم أقبلت على التخصص في إدارة الأعمال باستعمال الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وعادت لاحقا إلى مقاعد التكوين بعدما أرادت العمل في الميدان التلفزي.
‘’نلت فرصة للاشتغال في الحقل السمعي البصري، وعند الانخراط في هذه التجربة غمرتني الدهشة، لذلك لم أتمكن من التعامل بكيفية سليمة مع الطاقم المحيط بي، وكنتيجة لهذا قررت أن أحصل على تكوين يساير رغبتي في التنشيط التلفزيوني ويسهل حضوري وسط بلاتوهات التصوير، ليتكلل المسار بإجازة في التواصل تؤهلني للاشتغال منشطة’’، تعلن بثينة.
تتوزع مهارات معلاوي، فعليا، على مجالات بعيدة عن تكوينها في إدارة الأعمال، إذ تتأرجح بين ممارسة التمثيل الدرامي والمشاركة في دبلجة أعمال غير فرنسية، والمشاركة في وضع المؤثرات الصوتية على الرسوم المتحركة، كما لديها مشاركات من مواقع كثيرة تمتد حتى القيام بمحاولات في الإخراج.
الحياة المهنية
ترتبط الحياة المهنية لبثينة معلاوي بكتابة الرأي الثقافي في ‘’راديو كندا’’، كما تتواجد في المحطة الإذاعية الوطنية نفسها للقيام بمهام متنوعة، بدءا من تقديم النشرات الجوية، مرورا عبر محطات تتولى فيها تنشيط البرنامج الصباحي ‘’الأخبار أولا’’، وصولا إلى فترات تربط أداءها بالنشرات المسائية عند حلول ذروة الاستماع لهذه الإذاعة.
كما يتأتى لذات الأصل المغربي جني المال أيضا من خلال الاشتغال في المهن الفنية المتعددة، خاصة الأدوار التي تحصل عليها للتمثيل في مسلسلات وأفلام، وتبادر أيضا إلى خوض تجربة الكتابة الدرامية على أمل النجاح في هذا الميدان، سواء بنصوص فردية أو عبر المشاركة في مشاريع جماعية.
‘’ما وصلت إليه حاليا يعني أنني سرت في الطريق الصحيح، ويجعلني شاكرة لأسرتي على مواكبتي منذ الصغر كي أقوم بتنمية قدراتي وتطويرها باستمرار، والجمع بين النجاحات الدراسية والتفتح في الميادين الفنية والرياضية، وهذا ما يدفعني إلى البقاء متحفزة لدفع مسيرتي إلى أبعد نقطة ممكنة على طريق التوفيق’’، تورد معلاوي.
أحلام بلا حدود
تؤكد بثنية معلاوي أنها لم تحقق بعد أحلامها بالكيفية التي تبتغيها، وإن كانت راضية تماما على ما قمت به حتى الآن، ووصولها إلى التواجد على أكثر من صعيد في الآن نفسه، لكنها تؤمن بالقدرة على بلوغ مستويات أكثر رفعة، والبصم على اشتغالات ذات مكانة أعلى، لكن دون التفريط في الحضور الإذاعي الذي يسعدها بمميزات الاشتغال على الأثير.
تقول ذات الجذور البيضاوية: ‘’أسمح لنفسي بوضع أهداف بعيدة المدى حتى أتجنب الضغط على نفسي باستعجال جني الثمار، كما أريد لمجهودي أن يسعفني في المضي قدما بأنفاس هادئة ضمن جميع الميادين التي أنشط فيها، خاصة أن الطموحات يمكن أن تبلغ أفاقا مغايرة إذا حضرت الفرصة المناسبة، لذلك علي البقاء مستعدة ومنفتحة على جميع الإمكانيات’’.
ولا تخفي معلاوي رغبتها في الانخراط ضمن أعمال بين المغرب وكندا، مؤكدة أنها تحلم بالانتقال مرارا وتكرارا بين البلدين من أجل إرساء جسر إضافي يقرب بين الناس على الضفتين الشرقية والغربية للمحيط الأطلسي، وأن تحاول تقديم قيمة مضافة للمجتمعين انطلاقا من الأعمال التي تتقنها.
الانتفاع من الإخفاق
‘’أنصح الوافدين على كندا من أجل الاستقرار بعدم انتظار منحهم هدايا، إذ يجب على كل شخص أن يثق في قدراته ويبادر إلى التحرك من أجل تحقيق مشاريعه وأهدافه؛ هذا ما قمت به رغم استفادتي من عناية أسرتي، امتلكت مهارات قمت باستثمارها في شق طريقي، وما زلت أقوم بذلك يوميا’’، تقول بثينة.
وترى المزدادة في كبيك أن الهجرة تبقى مجرد خطوة يتم القيام بها من أجل خلق فرصة، وأن غياب النتائج المرضية رغم بذل جهود مضنية لا يعني الوصول إلى نهاية الممر، لكن ذلك يدل على ضرورة الانخراط في انطلاقة جديدة، مع استحضار ما جرى قبل ذلك لتفادي العثرات وحصد النجاحات المرجوة.
‘’لا شيء يضيع، فالإنسان يمتلك قدرات خارقة على التعلم من كل شيء، وأن يستفيد من مواقف كان يراها سلبية في أوقات سابقة، لذلك ينبغي أن يعي الشخص بأن أي حدث، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، يمكنه أن يصير مفيدا جدا في مراحل لاحقة من الحياة، واليقين أن النجاح يحتاج الاجتهاد مثلما يتطلب فترة من الزمن’‘، تختم بثينة معلاوي.
المصدر: وكالات