تستمر التفاعلات الأكاديمية البحثية مع تدبير المغرب أزمة “زلزال 8 شتنبر”؛ لعل أبرزها ما حاول البحث في العلاقة بين المبادئ الحاكمة للعلاقة بين الدولة (باعتبارها كيانا قُطريا مستقل القرارات وذا سيادة) والهيئات الدولية، من قبيل الأمم المتحدة ومؤسساتها.
في هذا الموضوع، نشر مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (PCNS) بعد أسبوعين من “زلزال الحوز” موجزا بحثياً للسياسات (POLICY BRIEF)، قارب موضوع “تدبير وإدارة الكوارث الطبيعية: السيادة الوطنية والتضامن الدولي”، قام بتأليفه وتحريره الأستاذ عبد الحق باسو، باحث رئيسي بالمركز ذاته.
مِحك علاقة الدول والهيئات
إجمالاً، تُختبر العلاقة بين الدولة والهيئات الدولية (relation entre l’État et les instances internationales)، لاسيما في ما يتعلق بإدارة وتدبير الكوارث الطبيعية، التي تضعها على المحك؛ من خلال “اختبار مسؤولية الدولة مقابل مسؤولية المجتمع الدولي”، قبل أن “يتم اختبار سيادة الدول في مواجهة التدخل (الحق أو الواجب) من قبل بلدان ثالثة (tiers) أو هيئات دولية”.
“في عالم مهدد بالآثار المدمرة لتغير المناخ صارت الكوارث الطبيعية على نحو متزايد في صميم مشاغل (اهتمامات) المجتمع الدولي”، يورد باسو، لافتاً إلى أن “إدارة هذه الكوارث هي إحدى المهام الأساسية للدول استناداً إلى سلطاتها السيادية ومسؤوليتها عن حماية سكانها؛ بيْد أن حجم الظواهر وشدة الضرر الذي تولّده، إلى جانب ضعف قدرات بعض الدول، ينطوي على مسؤولية دولية في سياق التضامن بين دول العالم”.
في هذا المجال، استحضر الخبير المختص في الدراسات الدولية وجود “مَبدأيْن على الأقل من مبادئ القانون الدولي يحكُمان هذه العلاقة”، مؤكدا أنه “من ناحية يقوم هذا الحق على المساواة في السيادة بين الدول التي تحظُر أي تدخل من جانب دولة ثالثة (أخرى) في الشؤون الداخلية لدولة أخرى؛ ومن ناحية ثانية فإنها “تخضع أيضا لمبادئ التدخل الدولي التي تنتهك، بداهةً، مبدأ السيادة؛ مثل التدخل الإنساني أو المسؤولية عن الحماية”.
ورصدت الورقة البحثية ذاتها أن “سلوك الدولة في مواجهة الكارثة تُلاحظه الدول النظيرة وهيئات المجتمع الدولي، التي يمكنها تقديم المعونة؛ ولكن لا يمكنها التدخل إلا إذا كانت قدرات الدولة غير كافية للتصدي لهذه الظاهرة”.
وبالنسبة للهيئات الدولية (UNDRR) فإنه لا تُعتبر “كارثة طبيعية” عندما تكون الدولة قادرة، بوسائلها الخاصة، على تجاوز الاضطرابات التي تسببها ظاهرة طبيعية ما.
السيادة والتدخل
تحت هذا العنوان الفرعي، اتخذ الباحث من حالة كارثة زلزال الحوز نموذجا للدراسة والتحليل، موردا أن جوانب المسؤولية والسيادة في العلاقات بين الدول، من ناحية، ونظرائها والمجتمع الدولي، من ناحية أخرى، تتحدد عبر “السيادة بالموافقة”؛ إذ ينص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46/182 على أنه “لا يمكن تقديم المعونة الإنسانية دون موافقة الدولة المتضررة”.
ويحمي شرط الموافقة هذا الدولة من فرض أي وصاية على إرادتها؛ وبالتالي “لا يمكن اتهام الدولة بعدم موافقتها على اقتراح بتقديم المعونة؛ والضغط الذي تمارسه على تلك الدولة، بأي شكل من الأشكال، لحملها على قبول المعونة المقترحة، هو عدوان عمَلي”.
ويُشدد البند 4 من القرار الأممي المذكور على الدور الرئيسي للدولة المتضررة، مشيرا إلى “أربعة مستويات يتجلى فيها هذا الدور؛ هي مستوى المبادرة، والتنظيم، والتنزيل/التفعيل”.
فكرة هذه الورقة نشأت، حسب الكاتب، من “رد فعل وسائل الإعلام في بعض الدول بمناسبة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في المغرب”، وزاد شارحا بهذا الخصوص: “في الواقع، إذا بدأت الهيئات الدولية والمغرب منذ الساعات الأولى التنسيق وفقاً لقواعد وبروتوكولات القانون الدولي، ووسائط الإعلام في بعض الدول، وبعضها قوى دولية، متقدمة تكنولوجيا، وغيرها من المتنافسين البسطاء على القوة الإقليمية دون تراث تكنولوجي، بدون وسائل كافية، أو حتى خبرة فنية في هذه المسألة، أظهرت (بعض الدول الأخرى) نفسها مستاءة من عدم استجابة المغرب لاقتراحها المتعلق بالإعانة”.
يشار إلى أن الباحث أطّر مسألة تحديد العلاقة بين الدولة والهيئات الدولية، من جهة، والدولة ضحية الكارثة والدول الأخرى، من جهة أخرى، بعدة تساؤلات: “هل تحدد كل دولة الشروط التي تتطلب تدخلاً إنسانياً أو تطبيق الحق في الحماية وتقيمها على النحو الذي تراه مناسباً، أم تقررها وتقيمها هيئات الأمم المتحدة؟ هل يمكن لدولة ما أن تقرر من جانب واحد استيفاء شروط التدخل، لأسباب إنسانية، وأن يكون لها بالتالي الحق في التدخل، أو هل ينبغي لها أن تنتظر التكليف، إذا لزم الأمر، من قبل الهيئات الدولية (الأمم المتحدة) بعد تقييم الوضع مع البلد المتضرر؟”.
“كما تترتب على تحليل البندين 3 و4 من القرار الأممي فكرة أساسية: لا تكتفي الدولة بمبادرة طلب أو عدم طلب المساعدة من دول ثالثة؛ بل أيضا أن تختار بين هذه الدول الثالثة الدول التي يمكنها أن تُنظِّم وتُنسق وتنفذ التدابير اللازمة؛ وهذا يتطلب بعض الفهم وقابلية التشغيل البيني والثقة”، يخلص مؤلف الورقة.
المصدر: وكالات