عاد الباحث والكاتب المغربي المصطفى حميمو إلى كتاب “الاستقصا” للناصري ليسبر أغوار تاريخ الزلازل التي عرفها المغرب.
واستحضر حميمو، ضمن مقال توصلت به هسبريس بعنوان “من تاريخ الزلزال بالمغرب”، لحظات زلازل طالت مناطق ومدنا مغربية مختلفة، مشيرا إلى بعض منها لم يذكرها الناصري وخلفت خسائر فادحة.
وهذا نص المقال:
كم كان اندهاشي كبيرا لما اكتشفت أن تــــســـونـــامـــي سبق أن ضرب شواطئ مدينتين من مدن المغرب. وأعتقد أن غيري من المغاربة لن يكون أقل اندهاشا مني باكتشافه. فما سبق لنا أن تعلمنا ذلك في المدرسة. ولم أجد له ذكرا حتى على منصة البحث “غوغل”. فكيف اكتشفته وأين ومتى حصل؟ ذلك من بين ما سأعرضه في هذه الورقة.
لكن قبل ذلك، لا بد من الترحم على شهداء الزلزال الأخير ومن الدعاء بالشفاء العاجل للجرحى، وبالصبر والسلوان لكل المغاربة، وبالعون واليسر لكل نساء ورجال الإنقاذ وبالجزاء الأوفى والأوفر لكل من قدم يد المساعدة. قال تعالى “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذه المناسبة الأليمة أثارت فضولي للاطلاع على تاريخ الزلازل بالمغرب. فاخترت العودة إلى كتاب “الاستقصا” للناصري رحمه الله لكونه أشمل من غيره بالنظر لقرب عهده من عصرنا. وذلك لما تذكرت أنه، كغيره من الإخباريين المسلمين، لم يغفل عن ذكر بعض الزلازل التي أصابت المغرب. وبعد جردها وترتيبها زمنيا ارتأيت تدوينها ونشرها لتعميم الفائدة.
أول ما ذكره منها رحمه الله زلزال سنة 267 هـ موافق 28/5/881م. وهو الزلزال الذي حصل في عهد ثامن أمراء الدولة الإدريسية يحيى بن القاسم بن إدريس، وضرب ضفتي مضيق جبل طارق. فقال الناصري إنها كَانَت زَلْزَلَة عَظِيمَة لم يسمع بِمِثْلِهَا. تهدمت مِنْهَا الْقُصُور وانحطت مِنْهَا الصخور من الْجبَال وفر النَّاس من المدن إِلَى الْبَريَّة من شدَّة اضْطِرَاب الأَرْض. وتساقطت السقوف والحيطان وفرت الطُّيُور عَن أوكارها وَمَاجَتْ فِي السَّمَاء زَمَانا حَتَّى سكنت الزلزلة. وعمت هَذِه الرجفة جَمِيع بِلَاد الأندلس سهلها وجبالها وَجَمِيع بِلَاد العدوة من تلمسان إِلَى طنجة وَمن الْبَحْر الرُّومِي [يعني البحر المتوسط] إِلَى أقْصَى الْمغرب. وتعجبت من قوله إنَّهَا لم يمت فِيهَا أحد لطفا من الله تَعَالَى بخلقه من بعد وصفه إياها بأنها كَانَت زَلْزَلَة عَظِيمَة لم يسمع بِمِثْلِهَا.
ثم ذكر زلزال 15/06/1569م بقوله إنه بعد صَلَاة الْجُمُعَة من أول يَوْم من الْمحرم مِنْه سنة 977هـ زلزلت الأَرْض زلزالا شَدِيدا وفزع النَّاس لذَلِك. ولم يحدد المكان ولا ما ترتب عنه من خسائر بالرغم من وصفه بالشديد. وهو الزلزال الذي حصل في عهد عبد الله الغالب ثالث الملوك السعديين.
كما ذكر زلزال 11/05/1624م بقوله إنه عِنْد فجر يَوْم السبت الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَجَب سنة 1033هـ حدثت زَلْزَلَة عَظِيمَة بفاس. فقد حصل في أواخر عهد السعديين. ومن الطرائف التي كان يحلو للناس حينها تصديقها قول الناصري إن المُسمى أبا عبد الله بن حَكِيم [قد يكون أحد المجاذيب] كَانَ قبل تلك الزلزلة يَصِيح “المردومات… المردومات”، فَإِذا بالزلزلة حدثت فَمَا بقيت دَار من دور فاس غَالِبا إِلَّا دَخَلتهَا الفؤوس.
ووجدت أيضا في أحد المواقع أن زلزالا عنيفا ضرب مدينة مليلية بتاريخ 05/08/1660م. وقد نجمت عنه خسائر مادية فادحة ولم يذكره الناصري. والمنطقة معروفة بكونها معرضة للزلازل. حصل ذلك في أواخر عهد السعديين وبداية عهد الدولة العلوية.
وفي الفترة نفسها حصل زلزال بتاريخ 26/3/1665م. ذكره الناصري بقوله إنه فِي عَاشر رَمَضَان من سنة خمس وَسبعين وَألف 1075هـ، وَقعت زَلْزَلَة عَظِيمَة بفاس وَغَيرهَا من بِلَاد الْمغرب. ومن الطرائف التي حكاها بالمناسبة، والتي تكشف لنا ما كان في المخيال الشعبي بخصوص أسباب الزلزال الذي ظل شائعا كما أذكر ذلك حتى من بعد استقلال المغرب، لما قال إنه سُئلَ حينها عَن ذَلِك شيخ الجماعة [أي عميد علماء فاس]، هل هُوَ كَمَا تزْعم الْعَامَّة من أَن الـــــثـــــور الَّذِي عَلَيْهِ الدُّنْيَا أَو الْحُوت يَتَحَرَّك؟ فَأجَاب بِأَن ذَلِك بَاطِل لَا أصل لَهُ. وتلا قَوْله تَعَالَى: “وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفا” من سورة الإسراء. لما كنت أسمع بذلك من غيري من الأطفال كنت أرد عليهم: والثور يقف على ماذا؟ فما كان يعجبهم تساؤلي ذاك وكانوا غاضين منه، معتقدين أن تلك الخرافة من مسلمات الدين الذي لا جدال فيه.
ثم ذكر شيخ الجماعة كما قال الناصري أن بعض الْحُكَمَاء كانوا يعتقدون حينها أن ذَلِك الزلزال يَقع فِي اختناق الرّيح فِي جَوف الأَرْض. ولا ضيْر في ذلك لأن علم الزلازل المتطور متأخر عن تلك الحقبة وبكثير. فبالبحث وجدت أنه فقط في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأ العلماء المختصون يهتمون اهتمامًا حقيقيًا بالتأثيرات الجيولوجية والتكتونية في ظاهرة الزلازل، وبتحديد المناطق الزلزالية مع فهم الآليات المتسببة فيها.
ومن الزلازل بالمغرب التي لم يذكرها الناصري أيضا ووجدتها بالبحث، زلزال يوليوز 1719 الذي ضرب الشواطئ المغربية وهدم جزءا من مدينة مراكش. هكذا ليس زلزال الحوز الأخير هو الأول من نوعه في المنطقة. وهناك زلزال آخر سبق أن ضرب وهدم مدينة آڴادير سنة 1731م، أي قرنين وربع قرن قبل زلزال 1960. مما يدل على أن عموم المنطقة مثل شمال البلاد معرضة لمثل تلك الكوارث.
إلا أن الناصري رحمه الله لم يفته ذكر زلزال 1755م الشهير عالميا، الذي ضرب مرتين مدينة لشبونة، الأولى في فاتح نونبر والثانية في الثامن عشر من الشهر نفسه. فقال إنه في سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف 1169هـ كَانَت الزلزلة الْعَظِيمَة بالمغرب الَّتِي هدمت جلّ مكناسة وزرهون وَمَات فِيهَا خلق كثير بِحَيْثُ أحصي من العبيد وحدهم نَحْو خَمْسَة آلَاف. وَقَالَ بخصوصه عن لويز مَارِيَة [مؤرخ برتغالي] إِنَّهَا مكثت ربع سَاعَة وتشققت الأَرْض مِنْهَا واضطرب الْبَحْر وفاض حَتَّى ارْتَفع مَاؤُهُ على سور الجديدة وَفرغ فِيهَا. وَلما رَجَعَ الْبَحْر إِلَى مقره ترك عددا كثيرا من السّمك بِالْبَلَدِ. وفاض على مسارحهم [يعني البرتغاليون بالبريجة: الجديدة اليوم] ومزارعهم وأشباراتهم. فنسف ذَلِك كُله نسفا واضطربت المراكب والفلك بالمرسى فتكسرت كلهَا وفر نَصَارَى الْبَلَد إِلَى الْكَنِيسَة وَتركُوا دِيَارهمْ منفتحة. وَمَعَ ذَلِك لم يفقد مِنْهَا شَيْء لاشتغال النَّاس بِأَنْفسِهِم. فتلك مواصفات تــــســـــونــــامـــــي الذي ضرب مدينة الجديدة وذكره الناصري.
وتأكد ذلك لما قال عن صَاحب نشر المثاني [وهو محمد بن الطيب القادري (1712-1773)] إن الأَرْض زلزلت زِلْزَالهَا ومادت شرقا وغربا واستمرت كَذَلِك نَحْو درج زماني وفاض مَاء البرك والصهاريج على الْبيُوت وتكدرت الْعُيُون ووقف مَاء الأودية عَن الجري وَسَقَطت الدّور وتصدعت الْحِيطَان وَأخذ النَّاس فِي هدم مَا تصدع خوف سُقُوطه وفزع النَّاس وَتركُوا حوانيتهم وأمتعتهم.
ثم ذكر القادري أن ذلك تــــســـونــــــامـــــي حصل في الوقت نفسه بِمَدِينَة سلا، وذلك لما قال إن مَاء الْبَحْر انحصر عَنهُ إِلَى أقصاه. فجَاء النَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ. فَرجع المَاء إِلَى جِهَة الْبر وَتجَاوز حَده الْمُعْتَاد بمسافة كَبِيرَة فأغرق جَمِيع من كَانَ خَارج الْمَدِينَة فِي تِلْكَ الْجِهَة وصادف قافلة ذَاهِبَة إِلَى مراكش فِيهَا من الدَّوَابّ وَالنَّاس عدد كثير فأتلف الْجَمِيع وَرمى بالقوارب والزوارق الَّتِي فِي الْوَادي إِلَى مَسَافَة بعيدَة جدا. ثمَّ بعد هَذِه بِنَحْوِ سِتَّة وَعشْرين يَوْمًا عَادَتْ زَلْزَلَة أُخْرَى أَشد من الأولى [وهو بلا شك زلزال ليشبونا الثاني بتاريخ 18 نونبر من السنة نفسها] بعد صَلَاة الْعشَاء هِيَ الَّتِي أثرت فِي مكناسة غَايَة وَهلك تَحت الْهدم بهَا نَحْو عشرَة آلَاف نفس. وَفعلت بفاس أَيْضا فعلا شنيعا.
وأخيرا أشار الناصري رحمه الله لزلزالين في القرن التاسع عشر. الأول وصفه بالزلزال اليسير الذي حصل بعد الْعشَاء الْأَخِيرَة فِي لَيْلَة السَّادِس من شعْبَان من سنة 1275هـ موافق 10/3/1859. والثاني حصل فِي السَّاعَة الثَّالِثَة لَيْلَة السبت الثَّامِن من شَوَّال من سنة 1287هـ موافق 31/12/1870، الذي َلم يشْعر بهَ كثير من النَّاس لكَوْنهم نياما.
وأعرف أن هذه الزلازل وغيرها بالمغرب وبغيره لا تخفى على أصحاب الاختصاص من المغاربة ومن غيرهم. ولي اليقين إن شاء الله أنه ستكون إعادة إعمار ما تهدم فرصة بحول الله لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات في اختيار مواد البناء وفي طرق التشييد التي من شأنها الوقاية من أخطار كل طارئ لا قدر الله.
المصدر: وكالات