قال جمال آيت لعضام، دكتور العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الصينية، جامعة جلين تشن تشونغ بالصين، إنه أصدر كتابا يوضح الدور الذي لعبته الجهات الفاعلة غير الحكومية والمتمثلة بمؤسسة الضغط النفطية “نمهيد” التابعة لشركة “سوناطراك” في الجزائر وتأثير ذلك على الانسحاب النهائي للمغرب من منظمة الوحدة الإفريقية.
وبسط جمال آيت لعضام، في مقال له، أهم المحاور والمعطيات التي تضمنها كتابه المعنون بـ”دور الفاعلين غير الحكوميين في السياسة الخارجية: تأثير مجموعة الضغط في الجزائر على خروج المغرب لمنظمة الوحدة الأفريقية”.
هذا نص المقال:
أدى اعتراف منظمة الوحدة الإفريقية بجبهة “البوليساريو”، في خطوة مختلطة تتأرجح بين الغموض الدستوري والنفاق القانوني، عضوا كاملا في هذه المنظمة إلى إجبار الحكومة المغربية على سحب عضويتها رسميا من الهيئة القارية. وبذلك، يصبح المغرب الدولة الإفريقية الوحيدة الباقية خارج أسوار المنظمة؛ في حين ظلت المسألة الخلافية للصحراء المغربية هي المحرك الأساسي التي دفعت بالمغرب، العضو المؤسس في منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963 والداعم الأساسي لتيارات التحرير الأخرى، في عام 1984، إلى الانسحاب الكلي من المنظمة التي سُميت لاحقا بالاتحاد الإفريقي.
وفي هذا السياق، الدور الذي لعبته الجهات الفاعلة غير الحكومية والمتمثلة بمؤسسة الضغط النفطية “نمهيد” التابعة لشركة “سوناطراك” في الجزائر وتأثير ذلك على الانسحاب النهائي للمغرب من منظمة الوحدة الإفريقية يعد الجوهر المحوري لهذا الكتاب؛ حيث تضمنت أطروحة هذا الجزء في سياقها التحليلي الشامل دور الجهات الفاعلة غير الحكومية الجزائرية في تقويض سياسة المغرب الخارجية والتأثير عليها بشكل غير مباشر تجاه السيادة الكاملة على الأراضي في منطقة الصحراء المغربية.
أنهت إسبانيا احتلالها للأراضي الصحراوية المغربية بجنوب البلاد في أواخر عام 1975، إلا أن النزاع لم يتوقف حولها؛ بل زاد الوضع تأزما وتعقيدا، نتيجة دعم الحكومة الجزائرية لجبهة “البوليساريو” لتقرير المصير من جهةٍ، وكذلك تسليحها عسكريا وماليا وتجهيزها لوجستيا ودعمها دبلوماسيا من جهةٍ أخرى، والذي أدى إلى خلق نوع من التباين في المواقف السياسية للدول الإفريقية بين مؤيد ومعارض للاعتراف بها. ويرجع هذا إلى عدم وجود رؤية سياسية إفريقية واضحة تجاه القضايا الإقليمية التي تقوم على مبدأ حل النزاعات الإقليمية بين الدول الإفريقية داخل المنظمة. لذلك، بات نزاع الصحراء المغربية دون حل نهائي نتيجة الفشل التنظيمي لمنظمة الوحدة الإفريقية مع تدخل خارجي للجزائر في دمقرطة القرارات الشرعية للمنظمة وعرقلة مخططات التسوية السلمية لمشكلة الصحراء المغربية.
وبالنظر إلى مجريات الأحداث التي تطرق إليها الجزء الأول من هذا الكتاب، والذي تُوضح فصوله بشكل تدريجي كيفية استغلال الجزائر الفاعل غير الحكومي أو (جماعات الضغط) في الصحراء المغربية للضغط على صانعي السياسة الخارجية المغربية للحصول على مزايا جيو- استراتيجية تبدد مخرجات وقرارات التسوية لمشكلة الصحراء المفتعلة داخل دواليب منظمة الوحدة الإفريقية، والذي زاد الأمر سوءا تورط الجزائر في هذا النزاع المفبرك الذي كانت له أبعاد تحريضية سياسية مقصودة طويلة المدى خصوصا فيما يتعلق بالناحية الجيوسياسية والاقتصادية للمملكة المغربية. وما زالت الحكومة الجزائرية تدعم وتضغط على الدول الإفريقية الحليفة لها من أجل الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة مستقلة، في المقابل عارضت الحكومة المغربية ومعها المجتمع الدولي التدخل الجزائري في الشؤون الداخلية للمغرب باعتباره انتهاكا لأدبيات القانون الدولي وأبجديات المواثيق الدولية للأمم المتحدة.
ومن خلال ما تم تقديمه آنفا، جاء هذا الكتاب مُستعرضا محور تأزم العلاقات بين المغرب والجزائر، وأسباب الكراهية التاريخية بين البلدين، في ظل بيان المُلابسات الحقيقية للعلاقات التاريخية وعقدة الصحراء المغربية التي أصبحت تُناقش أدبيات التاريخ السياسي لكل من الدولتين باعتبار أن المغرب لديه عمق تاريخي وإحساس سيادي محض كدولة ينظر إليها من الزاوية التاريخية مركزا وقطبا لكل الدول التي عرفها المغرب العربي وخصوصا الإسلامية منها؛ في حين كانت الجزائر رمزا للدولة الثورية الأكثر تجذرا في شمال إفريقيا والقارة ككل، ما يعني أن المغرب يستند إلى المرجعية التاريخية في حين أن الجارة الشرقية تستند إلى التاريخ المعاصر، وكل منهما يُحاول إثبات مشروعية حقه وسلطته السياسية فيما يُصطلح عليه بـ”الدولة المركزية”.
وفي السياق نفسه، يظهر فشل منظمة الوحدة الإفريقية من حيث عجزها السيادي والتنظيمي في حل التوتر بين المغرب وأعضاء المنظمة حول الاعتراف بالصحراء المغربية وبقبول الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة مستقلة من طرف دول إفريقية معادية للمغرب وسيادته الترابية، كدولتي جنوب إفريقيا ونيجيريا.
ونتيجة لذلك، أصبح موقف المنظمة يُحْتكم إلى ما ستَخْرُجُ به الأمم المتحدة من قرارات وإجراءات قانونية للأطراف المعنية بالمشكلة من أجل حل هذا النزاع المفتعل سلميا.
وعليه، لقد أظهر نزاع الصحراء المغربية قدرة منظمة الوحدة الإفريقية المحدودة في معالجة هذا النزاع الإفريقي، وفي اتخاذ قرارات حاسمة تُنهي ملابسات هذا الصراع المُفبرك الجزائري الصنع الذي خلق أزمة إقليمية طويلة الأمد، وتقويض حلم بناء اتحاد مغربي واعد هدفه تحقيق تنمية صناعية وزراعية مشتركة، وكذلك بناء نهج منظومة سياسية مغربية موحدة تربط دول الأعضاء وشعوبها ببعضها البعض في مختلف الميادين الدبلوماسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والأمنية.
وفي الختام، ما دامت مشكلة الصحراء المغربية دون حل سياسي في المدى المنظور، فإن الحكومة الجزائرية ستبقى العنصر المحوري في افتعال هذا الصراع، وسيُنظر إليها إقليميا ودوليا على أنها عائق أمام عملية السلام بسبب موقفها العدائي ضد المغرب ووحدته الترابية، وستظل الجزائر تعتبر نفسها راعيا رئيسيا لمجموعة مليشيات “البوليساريو” وتستعملها كأداة لتقويض دولة المغرب وسياستها الخارجية من جهة، وتهديد الأمن والاستقرار الإقليمي لمنطقة شمال إفريقيا من جهة أخرى.
المصدر: وكالات