تفرض الجهوية المتقدمة نفسها كأحد العناصر الأساسية في معادلة تحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي بالمملكة، عبر تجاوز التفاوتات المجالية وتقليص الفوارق الاجتماعية، في ظل الانخراط في تنزيل مقتضيات النموذج التنموي للمملكة في أفق 2035.
مناسبةُ هذا القول هي اجتماعُ اللجنة الإستراتيجية لتقييم حصيلة الجهوية المتقدمة المنعقد الخميس الماضي بحضور ممثلي القطاعات الوزارية الموقِّعة على ميثاق اختصاصات الجهة ورؤساء الجهات والولاة، حيث تم التأكيد على ضرورة تعزيز الالتقائية بين العمل الحكومي والجهات ووضع خارطة طريق مستقبلية، بما ينهض بالجهود التنموية الوطنية.
وأمام استمرار المملكة في تثبيت دعائم هذا الورش الوطني الكبير منذ صدور دستور سنة 2011، الذي نص على اللامركزية كنظام إداري للبلاد، تتعالى الدعوات من أجل تدعيم هذا الورش الوطني بجرعات تحفيزية جديدة تسمح بتذويب الفوارق بين “المركز” و”المحيط”، والرفع من حظوظ جميع الجهات في تحقيق النهضة الشاملة عبر جذب الاستثمارات وتقريب الخدمات الإدارية من المرتفقين.
وثمن باحثون في القانون، في تصريحات لهسبريس، “خطوات المغرب المتقدمة في التأسيس لجهوية متقدمة على المستوى الترابي منذ صدور دستور سنة 2011، عبر تدعيم الجانب القانوني وتوضيح اختصاصات كل وحدة إدارية، بما يتماشى وتحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي”، غير أنهم أوضحوا “الحاجة إلى إعطاء نفس جديد لهذا الورش الوطني الكبير بالانفتاح على الرقمنة الإدارية وتحسين التنافسية بين الجماعات الترابية”.
خطوات مثمنة
عبد العزيز خليل، باحث في العلوم القانونية، أفاد بأن “دستور 2011 أقر صراحة بأن النظام الإداري للمملكة قائم على اللامركزية، إذ إن المشرع الدستوري أرسى نظام الجهوية المتقدمة، وتلته مجموعة من القوانين طيلة عشر سنوات الماضية، بما فيها على وجه التخصيص القوانين المرتبطة بالجماعات الترابية والقوانين الثلاثة التنظيمية، إلى جانب المراسيم التي فعّلت هذه القوانين التنظيمية”.
وتابع خليل متحدثا لهسبريس: “نتحدث هنا أساسا عن المراسيم المتعلقة بالمحاسبة العمومية للجماعات الترابية. فالمغرب لم يقف فقط عند سن هذه المنظومة التشريعية الدستورية، بل ذهب في اتجاه تنزيل ميثاق أخلاقيات اللاتركيز الإداري الذي يظل ميثاقا متقدما ويحدد سلطات جميع الفاعلين الترابيين في ما بينهم”، موضحا أن “هذه الخطوات التشريعية لها دلالة كبيرة في حسم توجهه في سبيل الواقع في تنزيل هذا الورش”.
وعلى المستوى الجهوي تحدث المصرح ذاته عن “اعتماد منظومة استثمار جهوية بما يعطي أدوارا للجهات في تحفيز الاستثمار، وإعطاء العمالات اختصاصات تنمية المجال القروي، في حين أعطيت الجماعات المحلية اختصاصات تنمية القرب؛ فقد راعى المشرع خصوصية كل هذه الوحدات المحلية وأقر مبدأ تفريع الاختصاص القاضي بتنازل كل وحدة عن وحدة أخرى عن هذا الاختصاص”.
وخلص الخبير في القانون إلى أن “المملكة اليوم يجب أن تخطو خطوات تجاه رقمنة هذا المشروع، فنحن نتحدث عن ضعف الخدمات الإلكترونية على المستوى الترابي، وبالتالي يجب أن يتجه التوجه اليوم نحو الذكاء الاصطناعي في المجال الترابي، وتعزيز تنافسية الجماعات الترابية في ما بينها واعتماد التكنولوجيا”.
نقاط للمعالجة
رشيد لزرق، أكاديمي رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، أفاد بأن “التعاقد الدستوري لسنة 2011 راهنَ على التنمية عبر تنصيصه على الجهوية، غير أن عوائق يمكن تلخصيها في ثلاثة مازالت حائلة دون أن تلعب الجهوية دورها في بلوغ التنمية الشاملة”.
وذكر لزرق، في تصريح لهسبريس، أن “العائق الأول قانوني الصبغة؛ فرغم كون المستجدات الدستورية والقانونية خولت العديد من الصلاحيات للهيئات الترابية المنتخبة التي تهم تنزيل السياسات العامة والمحلية إلا أن هذه الصلاحيات تبقى رهينة موافقة ممثلي السلطة المركزية عليها، في إطار الرقابة الإدارية، إذ بينت الممارسة العملية استمرار هذه الرقابة على الهيئات المحلية”.
وأورد المتحدث ذاته أن “هذا الواقع يعرقل تحقيق النجاعة المفترضة من هذا الورش الوطني الهام، إذ يسجَّلُ وجود تردد في نقل مجموعة من الصلاحيات من المركز لفائدة الهيئات المنتخبة على المستوى المحلي، بما يعيق لعب هذه الجهوية دورها المأمول”.
وبحسب لزرق يتمثل العائق الثاني في “محدودية كفاءة المنتخبين على الصعيد الجهوي، وهذا يرجع إلى كون الأحزاب السياسية تزكي القادرين على كسب المقعد وليس القادرين على التدبير، بالإضافة إلى عدم توفر هذه النخبة على مشاريع جهوية”؛ بينما يتمثل العائق الثالث في “نقص الموارد البشرية على المستوى الجهوي القادرة على تنزيل ورش الجهوية بالشكل المطلوب”.
المصدر: وكالات