أزمة مناخية غير مسبوقة وندرة حادة في الموارد المائية؛ معطى بات واقعا وطنيا لا يمكن التغاضي عنه من قبل المواطنين أو مؤسسات الدولة. هذا الواقع بين بشكل واضح مسؤولية مختلف الفاعلين الوطنيين في معالجة أزمة الندرة المائية ومواجهة العطش المستقبلي.
ومهما كانت التدابير الحكومية ناجعة ومكثفة، إلا أنها “تبقى بحاجة إلى ردود فعل إيجابية من قبل المواطنين في علاقتهم باستهلاك الموارد المائية”، وهو ما أكده باحثون في مجالي التنمية المستدامة والاقتصاد، الذين دعوا إلى “الاتجاه نحو استغلال المقررات والمناهج الدراسية لتوعية الناشئة بطبيعة الأزمة التي تعيشها المملكة في الوقت الراهن”.
في الحاجة إلى استهلاك مسؤول
مصطفى العيسات، باحث في مجال الماء والتنمية المستدامة، قال: “في الوضعية الحالية التي نعيشها، بات من اللازم على جميع الفاعلين إعادة النظر في تعاملهم مع المياه، أكانوا مؤسسات للإنتاج الصناعي أو للإنتاج الفلاحي. وإلى جانب هؤلاء الفاعلين، تظهر مسؤولية المواطنين كذلك في مواجهة آثار الإجهاد المائي، إذ إن التدابير الحكومية تبقى مهمة، لكن وجب أن يوازيها وعي مدني بخطورة الوضع”.
وأضاف العيسات، في تصريح لهسبريس، أن “المغاربة مدعوون إلى القطع مع ثقافة استهلاك المياه بترف، على اعتبار أننا نعيش اليوم وضعية غير مسبوقة، إذ وجدنا أنفسنا أمام مخزون مائي متناقص وشح التساقطات بشكل أجبرنا على اللجوء إلى تحلية مياه البحر بعدد من المدن الساحلية. لذلك، من المنتظر أن نواجه مستقبلا أكثر صعوبة”.
ومن هذا المنطلق، أكد المتحدث “ضرورة التوجه نحو تربية مواطناتية تشدد على مسألة التعامل مع الموارد المائية، سطحية كانت أم جوفية، بنوع من الرشد والحكمة؛ الأمر الذي سيتم من خلال المدرسة والبرامج التعليمية، إذ وجب اللجوء كذلك نحو تجديد المناهج الدراسية وتعزيزها بإحصائيات وبيانات جديدة تتعلق بمستوى الأزمة المناخية على مستوى المملكة”.
ولفت الباحث في الماء والتنمية المستدامة إلى أن “المغاربة عليهم إدراك التحديات التي تواجه أمنهم المائي والغذائي كذلك، فما وصلوا إليه اليوم ناتج عن عوامل طبيعية ترتبط بالتغيرات المناخية واستمرار الجفاف، وعن عوامل بشرية لها علاقة بالتوجه نحو الزراعات الإنتاجية والتصديرية”، كاشفا ضرورة “تربية الناشئة على الاستهلاك الرشيد للموارد المائية بشكل يضمن حقهم في الاستهلاك واستدامتها للأجيال اللاحقة”.
مواطنون مسؤولون
ادريس العيساوي، خبير في مجال الاقتصاد، أكد أن “المغرب يمر اليوم بوضعية جد صعبة على مستوى المناخ، حيث بات الجفاف مسألة هيكلية وواقعا لا يمكن التغاضي عنه بأي شكل من الأشكال، على اعتبار أن تداعياته باتت واضحة على مستوى مختلف المجالات، مما أدى إلى أزمة على مستوى الموارد المائية”.
وقال العيساوي، في تصريح لهسبريس، إن “المواطن لا يمكن استثناؤه من عملية حل المشكل، على اعتبار أن دوره مركزي في هذا السياق، إذ يظل مقلدا بمسؤولية كبرى، سواء كان فلاحا أو مستثمرا أو مواطنا عاديا؛ الأمر الذي يجعله كذلك المسؤول الأول والأخير عن عملية الاقتصاد والترشيد في الموارد المائية”.
وتابع: “صحيح أن تدبير شؤون المياه يعد من مسؤولية الدولة من خلال مبادرات نقل الموارد المائية إلى المناطق التي تحتاجها وتشييد السدود وإقامة الطرق السيارة للماء، لكن كل هذا لا يستثني المواطن، على اعتبار أنه هو المستهلك الأول والأخير للماء، في مختلف المجالات، وعليه أن يكون واعيا بذلك”.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى “كون الاجهاد في استهلاك المياه له جوانب نفسية وثقافية على المواطنين وعلى استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي كذلك؛ الأمر الذي يحيل إلى تحميلهم مسؤولية ترشيد استعمال الموارد المائية موازاة مع التدابير التي تقوم بها الدولة من جهتها”.
المصدر: وكالات