على هامش الندوة الافتتاحية لموسم أصيلة الثقافي الدولي مساء أمس الجمعة، التي كان عنوانها: “الصحراء الكبرى.. من الحاجز إلى المحور”، حاول مجموعة من الباحثين من بلدان إفريقية مختلفة: المغرب، مالي، النيجر، تشاد …، معالجة الوضع المتأزم للعديد من البلدان المتواجدة في الصحراء وتواجه تحديات أمنية وبيئية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغذائية، “في عالم ملتبس، لم تفلح التحليلات في فك شفراته بعد”.
وفيما اعتبرت الجامعية المغربية ليلى فاتيحي أن النظام الدولي الرأسمالي القائم على الأحادية القطبية يتحمل جزءا مهما من المسؤولية لتدخله في شؤون بلدان المنطقة، أعاد النيجيري أدامو بوبكر “ضلوع فرنسا في تفقير الشعوب الإفريقية” إلى واجهة النقاش، متهما “الإيليزيه بالسطو على ثروات الشعب النيجيري”؛ بينما تطرقت المالية فاتي الأنصار إلى الوضع في إفريقيا المتسم بفورة في رغبات شباب تواق إلى التطور والحرية.
فاتحي: مشكل في النظام العالمي
ليلى فاتحي، أستاذة باحثة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، قالت إن “الصحراء الكبرى منطقة غنية بالموارد، وهي منطقة شهدت العديد من الاضطرابات على مر التاريخ، وتشكل قضية جيو-سياسية كبرى، خاصة فيما يتعلق بموقعها لعبور البضائع والأشخاص”، مبينة أن “الخطاب القدري المقبول بشكل عام يعزو الأزمات المتعددة إلى التوترات العرقية التي لا يمكن حلها وإلى عدم القدرة على السيطرة على المجال الترابي”.
ومع ذلك، أضافت فاتحي أنه “منذ التدخل الغربي بدعوى الحرب ضد الإرهاب، تم تقويض السبل الأمنية في المنطقة بسبب فرض أشكال أمنية معقدة”، موردة أن “موجات الاحتجاجات الحالية المصاحبة للتغيرات الإقليمية والعالمية تُسائل مفعول وأثر التفاعل بين القوى المحلية والعالمية، خصوصا في بيئة أمنية مترابطة، تمكن من التساؤل فقط إن كان الخروج من الأزمة ممكنا في ظل نماذج الحكم الحالية”.
وتابعت الأستاذة الجامعية بأن “الاقتصاد العالمي الحالي القائم على الرأسمالية فشل في إنتاج نظام سياسي قانوني توزيعي”؛ فـ”النظام المؤسسي الليبرالي فشل في أن يصبح واقعا موضوعيا مشتركا، وهو ما أدى إلى تآكل أنظمة وقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان”، لافتة الانتباه إلى أن “المطالبة بنظام اجتماعي أكثر عدلا، وربما أكثر تعاونا وتبادلا، تحتم علينا مساءلة مصداقية وأصالة النظريات التي أعلنت [نهاية التاريخ] في أعقاب الحرب الباردة”.
وهكذا، تعطي المنطقة التي تغطي الصحراء الكبرى فرصة للبحث عن رؤية بديلة لتدبير القوة من حيث ارتباطها بالفضاء والحكومات والتمثيليات السوسيو-ثقافية، وبذلك تخلص الباحثة إلى أن “فشل النموذج الويستفالي يبين أن الديمقراطية لا يمكن أن تقتصر على مجرد مشاركة المواطنين في الانتخابات، كما يتطلب اتخاذ قرارات محلية شفافة وشاملة وخاضعة للمساءلة داخل الحكومات وقادرة على أن تنعكس على المستوى الإقليمي والدولي”.
بوبكر: فرنسا فقرت النيجر
النيجيري أدامو بوبكر، المؤسس المدير العام لـ”ساحل أجروبول”، قال في مداخلته إن “تواجد فرنسا في إفريقيا، وخصوصا في النيجر، فقرها”، موضحا أن “الاستعمار متواصل في العقل الفرنسي؛ فالبلدان الأوروبية، كبريطانيا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، تخلت عن النموذج الاستعماري، عكس فرنسا التي أصرت طيلة العقود الماضية على الحفاظ على هيمنتها من خلال التوغل في صفوف النخب الإفريقية وفرنستها حتى تستطيع السيطرة عليها”.
وقال بوبكر، ضمن مداخلته، إن “النيجر به مئات الجنود الفرنسيين، يقدر عددهم بين 1500 و3000، والغريب أن السلطات النيجيرية صرحت بأنها لا تعرف العدد الحقيقي”، مبرزا أن “بلدا يتواجد على ترابه العديد من العساكر المسلحين بالعديد من الأسلحة، هو بكيفية ما بلد مستعمر”. وأكد أن “فرنسا فرضت العملة المتداولة في 15 بلدا إفريقيا ويتم صكها في الجمهورية الإمبريالية”.
وأفاد بأنه “منذ ستينات القرن الماضي ومقدرات النيجر خاضعة للتدبير الفرنسي؛ فالنيجر يصدر موارده الطبيعية لكن العائدات المالية يتم إيداعها في الخزينة الفرنسية، وتمنح منها للنيجر بشروط لاحقا”، مضيفا أن “السؤال المطروح: لماذا لا نخرج من هذه المنظومة؟ ونحن نريد أن يفهم إخواننا المغاربة والأفارقة هذه اللعبة التي تخلق الهشاشة في البلدان الإفريقية”؛ وزاد: “نريد أن نؤكد أن سقوط الصحراء يعني سقوطا حتميا لشمال إفريقيا”.
ودعا أدامو بوبكر إلى “تغيير التصورات وفرض قطيعة ابستمولوجية جديدة تمزق النموذج الكولونيالي وتسعى في خدمة مصالح الشعوب الإفريقية”.
وذكر أنه “لا يمكن أن ينجح ذلك في غياب شمال إفريقيا، ويجب أن تصوب هذه البلدان اهتمامها نحونا وتعين بلدان الصحراء والساحل للتغلب على التطرف واستتباب الاستقرار والأمن، وبعدها تعميق آفاق المبادلات التجارية والثقافية”.
الأنصار: شباب معذب في الصحراء
المحللة السياسية المالية فاتي الأنصار، المستشارة في قضايا السلام، اعتبرت أن “أزمة الدولة في المنطقة هي بحث دائم عن نظام يعكس الواقع والاحتياجات، خصوصا في مالي التي تعيش وضعا مختلفا عن بوركينافاسو أو تشاد”، موردة أن “شباب مالي ضائع، ويبحث عن نظام يلبي احتياجاته، لكن للأسف هذا الشباب التقط فرصة الإطاحة بنظام معمر القذافي بليبيا ومنذ ذلك الحين بدأت المشاكل والأزمات في مالي”.
وأوردت الأنصار ضمن مداخلتها على هامش الندوة سالفة الذكر، أنه “بعد زوال نظام العقيد، الشباب حمل السلاح وازداد حماسة لتحرير الأزواد، وبدأ اللا-استقرار السياسي في باماكو”، مؤكدة أن “تحرير الأزواد كان مطلبا اقتصاديا أكثر منه سياسيا”. وذكرت أن “الأزمة تفاقمت في البلد عندما استولى الإرهابيون والجماعات المسلحة على شمال مالي، فبدأ التفكير في الانقلابات بعد تدهور الأوضاع”.
وأفادت المتدخلة بأن “الماليين بدؤوا يتساءلون حينها: كيف مرت 10 سنوات على وجود جيوش فرنسا في مالي ولم تتمكن من القضاء على الجماعات الإرهابية؟”، فازداد “الوضع سوءا وبدأت حملات شبابية سئمت الوضعية المتضعضعة على المستوى السياسي والاقتصادي وحملت السلاح لمواجهة نظام سياسي يعد ولا يفي بوعوده”.
وأشارت المتحدثة عينها إلى أن “المطلوب ليس هو الانتخابات بل إشراك الجميع في هذا العقد الاجتماعي”، مفسرة أنه “اتضح أن قلة من الماليين فقط يشاركون في الانتخابات وهذه القلة تطغى عليها النزعات الشعبوية”، داعية إلى “البحث عن حلول جذرية للمشاكل العالقة لكي نخلق إطارات ديمقراطية حقيقية بالصحراء الكبرى”.
المصدر: وكالات