قالت مونية الطراز، دكتورة في الفقه وأصوله بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن زواج القاصر ليس مؤصّلا بنصوص شرعية، وإنه لا مانع من رفع سنّ زواج الإناث إلى 18 سنة أو أكثر إن اقتضت الضرورة، وفق ما تقتضي مصلحة النساء والمجتمع المغربي، دون أن يكون تحديد سنّ الزواج مرتبطا بتقليد المجتمعات الغربية.
وأوضحت الطراز، في مداخلة ضمن يوم دراسي نظمه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب حول مراجعة مدونة الأسرة، أن زواج القاصرات هو موضوع اجتهادي لا يتعلق بنصوص قطعية حاسمة، وأن الآية القرآنية التي استند إليها الفقهاء في إجازتهم لزواج القاصرات محتملة لتعدد الأفهام والدلالات.
والآية التي استند إليها الفقهاء في مسألة زواج القاصرات هي الآية الرابعة من سورة الطلاق: “وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ”.
وأبرزت الطراز أن الفقهاء اختلفوا حول تفسير الآية المذكورة، حيث ذهب أغلب المفسّرين إلى أن المقصود بـ”اللائي لم يحضن” هن الفتيات الصغيرات، وهناك من قال إن المقصود ليس هو بالضرورة صغيرة السن بل المرأة التي لا تحيض لعلّة أو مرض، معتبرة أنه “لا يمكن تحميلُ هذه الآية ما لا تحتمله”.
وبخصوص الحديث النبوي الذي فحواه أن زوجة الرسول عائشة تزوجت وهي بنت تسع سنين، والذي يعتمده الفقهاء الذين أجازوا زواج القاصرات، ذكرت الطراز أن “هذا الأمر ليس فيه تشريع عام، وأن الأمر يتعلق بخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الأعراف المتعارف عليها في ذلك الوقت ولم تحرّمه الشريعة الإسلامية، وبقي متروكا لحكم الناس”.
وزادت موضحة: “حُكم الإباحة هنا لا يعني الوجوب أو الاستحباب، لأن كثيرا من الصحابة لم يروا ذلك مناسبا لبناتهم، ومنعوا تزويجهن لعلّة الصغر، حتى مع بلوغ المحيض، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه منع تزويج ابنته فاطمة لما خطبها عمر ابن الخطاب بعلة أنها صغيرة السن”.
وأضافت أن “مسألة الزواج لا تتحدد بمحدد عمري يمكن الاستناد إليه، وإنما تتعلق بتصور الحدود الأهلية للزواج، فالذين قالوا إنه جائز لمجرد البلوغ نظروا إلى الجسد وقابليته، أي الأهلية للمعاشرة، والذين رأوا أن الفتاة الصغيرة لا يجب تزويجها نظروا إلى أهليات أخرى، مثل النضج العقلي”.
من هذا المنطلق، تردف الطراز، ينبغي أن يتم التفكير في مسألة زواج القاصرات انطلاقا من الأهليات التي تتطلبها ظروف الزمن الراهن، “ولم لا التفكير في رفع سن زواج الإناث حتى إلى ما فوق 18 سنة إذا كان الأمر يستدعي ذلك”، معتبرة أن “النظر في هذه المسألة ليس شذوذا، وإنما هو نزر موطّن من باب السعي إلى حفظ المصلحة التي ترعاها الشريعة، ولا يَعيبه أن يُسمّى نظرا اجتهاديا أو تجديديا، فكل هذه التسميات أصيلة ومطلوبة، وضابطها هو قواعدُ الشريعة”.
وذهبت المتحدثة ذاتها إلى القول: “لا يجب أن يُنظر إلى زواج القاصرات من زاوية نظر السابقين، لأن مفهوم القصور متفلّت ومتقلب، والمؤهلات العقلية والنضج الذهني والتجربة الاجتماعية والوعي بمشكلات الحياة العامة… لم تكن تتحمله المرأة في كل الحضارات السابقة إلا في القليل النادر”، على حد تعبيرها.
وأشارت إلى أن الأمم تسعى إلى تمكين النساء من حقهن في التعليم الكافي الذي يتطلعن إليه، والذي يمنع منه الزواج المبكر، وإلى استكمال المدارك التي تجعلهن أكثر قدرة على الانخراط الواعي في المجتمع الجديد الذي يعشنْ فيه، مشيرة إلى أن هذه النظرة في جوهرها تناسب مساعي الشريعة الإسلامية لتحرير الناس من القيود الاجتماعية التي تعيق حياتهم الطبيعية”.
وأضافت أن العلوم الشرعية والفقه “ليست أدوات لنقل النصوص، وإنما هي وعاء لفهم تلك النصوص وفق ما تقتضي قواعد الفهم العربي وأصول النظر الشرعي الذي يتناسب مع الطبيعة المصدرية لتلك النصوص”.
وأردفت بأن “الناظر في القرآن أو السنة أو حتى في النصوص الاجتهادية للفقهاء، يُفترض أن يكون في نظري متفاعلا مع محيطه الثقافي والسياسي والاجتماعي بحسب طاقته ومؤهلاته”، معتبرة أن “العلوم الشرعية لولا قدرتها على تبْويئ الأحكام في الأزمان المختلفة ما كان لها معنى”، وأن الأحكام الفقهية “إنما جُعلت لتنظيم حياة الناس وصلاح أحوالهم في العاجل والآجل وفي كل الظروف، ولرفْع كل مشقة أو عنَت، وهذا هو المقتضى الذي تنطق به آيات القرآن الكريم”.
المصدر: وكالات