“هناك قصة متشابكة الأطراف بين الواحات وحقول البطيخ الأحمر في زاگورة من جهة، وبين ندرة المياه وتأخر التنمية والابتكار من جهة أخرى. لقد غيّر الجفاف العيش في منطقة الجنوب الشرقي للمغرب وتغيرت معه طرق السقي”.
بهذا الاستنتاج، استهلت جيمي فيكو، وهي باحثة أمريكية في برنامج فولبرايت تدرس التغير الفلاحي والاجتماعي والبيئي في واحات الجنوب الشرقي للمغرب، بحثا أنجزته بمعية أمين الكنتبي، كاتب ومصور وفاعل جمعوي من مدينة زاكورة، تحت عنوان: “العيش بالحظ: القصة وراء البطيخ الأحمر لزاگورة”.
يفيد البحث المنشور من طرف معهد “هنريتش بول ستيفتونج” الألماني بأن انتشار مزارع السقي بالمياه الجوفية، التي كانت في البداية تنتج الخضروات والقمح والحناء والفصة، ساهم في انخفاض فرشة المياه وتراجع جريان طبقة المياه الجوفية. ومع ظهور ضيعات البطيخ الأحمر، أصبح استقرار القبائل التي تشكلت في الأصل من الرحل في وادي درعة “إمسوفا”، مهددا.
يؤكد الباحثتان هذا الاستنتاج بالقول: “اليوم، تشجيع الزراعة يسوق المجتمع الامسوفي إلى أزمة مياه وتهديد مستقبل العيش في المنطقة”.
وخلال الفترة من 2000 إلى 2019، ارتفع سحب الفرشة المائية من مليون متر مكعب لسقي 250 هكتارا إلى 21 مليون متر مكعب لسقي 3500 هكتار، بحسب دراسة أنجزتها وكالة الحوض المائي لدرعة واد نون، مشيرة إلى أن هذا الوضع خلق اختلالا في توازن الفرشة المائية بالمنطقة.
وإذا كانت الفلاحة استراتيجية لإبقاء أهالي القبائل متجذرين في أرضهم، فإن زراعة البطيخ الأحمر أصبحت تهدد باستئصالهم منها، بسبب استنزاف الفرشة المائية، وهو ما عبر عنه فلاح قابله الباحثان بالقول: “كلما نزل مستوى الفرشة نزل مستوى المعيشة”، بينما قال فلاح آخر إن الناس يحفرون خمسين مترا في عمق الأرض ولا يجدون ماء.
في المقابل، أشار الباحثان إلى أن زراعة البطيخ الأحمر رفعت من جودة عيش كثير من الفلاحين الفقراء في المنطقة، لكن على حساب استهلاك الكثير من الموارد المائية.
وبرر فلاح شاب من مزارعي البطيخ الأحمر بمنطقة “الفيجة” انتشار هذه الزراعة بغياب زراعة بديلة تدرّ الربح نفسه، مشيرا إلى أن “النخيل الموجود في المنطقة يمكن أن يستغرق وقتا بين أربع إلى سبع سنوات، حسب حجم الشتلة، قبل بداية إنتاج التمور”.
التوسع المتزايد نحو زراعة البطيخ الأحمر في زاگورة مرده إلى الأرباح الكبيرة التي يجنيها المزارعون، ذلك أن الفلاح العادي يستطيع أن يبيع غلته بـ70 ألف درهم للهكتار في بداية الموسم عندما يكون السعر في السوق مرتفعا، وقد يحقق ربحا يصل إلى 30 ألف درهم بعد خصم تكلفة مجموع المصاريف.
وبالرغم من ذلك، فإن زراعة البطيخ الأحمر بالنسبة للفلاحين الصغار “هي مغامرة خطيرة”، كما جاء في التقرير، لكون التجار هم المتحكمون في السوق، وبمقدورهم تحديد السعر الذي يشترون به المنتوج قبل بيعه لشركات التلفيف في مراكش والدار البيضاء التي تصدره إلى الخارج، وهو ما يجعل الفلاحين أحيانا مضطرين إلى بيع غلتهم بثمن أقل مما صرفوه في مرحلة قبل الإنتاج.
ويرى فلاحون قابلهم الباحثان جيمي فيكو وأمين الكنتبي أن تقنين زراعة البطيخ الأحمر على الصعيد الوطني، “أحسن حل للفلاحين”، لكون الفلاحين الكبار يقومون بزرع كم هائل من هذه الفاكهة، مسيطرين بذلك على السوق، في حين إن التقنين سيتيح إمكانية التحكم في الانتاج وبالتالي استفادة صغار الفلاحين.
المصدر: وكالات