تزامنا مع موجة البرد والتساقطات المطرية المسجّلة هذه الأيام برز في مدينة المحمدية نقاشٌ واسع حول وضعية المشردين عامة والقاصرين منهم على وجه الخصوص، إذ يقضي “الأشخاص بدون مأوى” لياليهم في الشوارع رغم انخفاض درجة الحرارة خلال الساعات الليلية، ما أعاد إلى الواجهة هذا الملف الاجتماعي الذي يثير قلق الفاعلين والمتتبعين، ويستدعي تدخلا يضمن حماية هذه الفئة المجتمعية في ظروف مناخية قاسية.
نوم في العراء
مراد هواري، متتبع للشأن المحلي بمدينة المحمدية، قال إن “عددا من الأطفال والمتشردين أصبحوا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في شوارع المدينة”، مؤكدا أن “الظاهرة أخذت في التزايد بشكل يثير القلق، خاصة بمحيط حديقة القصبة التي تحولت إلى فضاء دائم لمبيت هؤلاء الأطفال”.
وأوضح هواري، في تصريح لهسبريس، أن “مشاهد النوم في العراء باتت مألوفة ليلا، إذ يتجمع عدد من المتشردين داخل الحديقة وفي الأزقة المجاورة”، مضيفا أن “بعضهم يدخن السجائر أو يستعمل مادة ‘السلسيون’، في غياب أي رقابة أو تدخل من الجهات المختصة”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “زنقة بغداد تشهد بدورها توافد عدد من هؤلاء من أجل الأكل أو التسول، بعدما تكاثرت محلات الأكلات الخفيفة في المنطقة”، مبرزا أن “الكثير منهم سبق أن كانوا داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية قبل أن يغادروها لأسباب ربّما تتعلق بسوء المعاملة أو ضعف المواكبة”.
وختم مراد هواري تصريحه بالتأكيد على أن “الوضع يستدعي تدخلا عاجلا من السلطة المحلية والمؤسسات المعنية بحماية الطفولة، من أجل إنقاذ هؤلاء الأطفال وإدماجهم في المجتمع قبل فوات الأوان”.
مسؤولية مشتركة
سلوى الحلو، فاعلة جمعوية بمدينة المحمدية، قالت إن “المسؤولية تتحملها الدولة، وبالدرجة الأولى الأسرة، لأنها البيئة التي ينشأ فيها الطفل والشاب، وهي التي تتحمل مسؤولية التربية والتوجيه في الحياة”، مؤكدة أن “حالات كثيرة تنشأ بسبب ظروف اقتصادية واجتماعية وتربوية صعبة، تجعل الطفل أو الشاب يغادر بيت أسرته، بل إن بعض الأسر ترغب في التخلص من بعض أفرادها حين تعجز عن تحمل مسؤوليتهم، فتغدو الشوارع حضنهم الوحيد”.
وشددت الحلو، في تصريح لهسبريس، على ضرورة أن “تعمل الدولة على توفير مراكز للإيواء تُؤمِّن حماية مستمرة للأطفال إلى حين بلوغهم سن الرشد، مع تمكينهم من التمدرس أو تعلم حرفة لمن ليست لديهم رغبة في الدراسة”، مبرزة أن “هذه المؤسسات ينبغي أن تمنحهم دفء الأسرة الذي حُرموا منه”، ولافتة إلى أن “عدد هذه المراكز يظل محدودا، كما أن الإجراءات الإدارية الخاصة بالاستفادة منها طويلة ومعقدة”.
وفي حديثها عن الوضعية الراهنة أوضحت الفاعلة الجمعوية ذاتها أن “موجة البرد والأمطار تزيد معاناة الأشخاص في وضعية تشرد”، مردفة: “نحن نفرح بنزول المطر وانخفاض درجة الحرارة، لكن هؤلاء لا يفرحون، لأننا نعيش في دفء أسرنا بينما هم ينامون على الأرصفة وفي الأنفاق والحدائق والأزقة، بل يلجأ بعضهم إلى أبواب العمارات طلبا لمكان يقيهم البرد”، ومعتبرة أن “هذه الظروف القاسية تتطلب تدخلا عاجلا يضمن الحد الأدنى من الكرامة والحماية”.
ودعت المتحدثة إلى “تعزيز الوعي الأسري ومسؤولية العائلة في رعاية أفرادها”، مؤكدة أن “دور التوعية مهم جدا، إذ تجب مساعدة الأسر التي تعاني هشاشة اجتماعية أو ضعفا في الوعي التربوي، حتى ينشأ الأطفال والشباب في بيئة سليمة”، ومشددة على ضرورة “التعاون المجتمعي لتدارك غياب الظروف المناسبة داخل الأسرة، تفاديا لدفع المزيد من الأشخاص نحو الشارع”.
وأبرزت سلوى الحلو أهمية “انخراط المجتمع المدني في مبادرات الدعم خلال الفصل البارد”، موضحة أن “الجمعيات مدعوة إلى تنظيم حملات منتظمة لتوزيع الملابس والأغطية والأدوية والوجبات الساخنة على المشردين، صغارا وكبارا”، ومشيرة إلى أن “هذه المبادرات يُفضَّل أن تُنجَز بالتناوب بين الجمعيات لضمان الاستمرارية”، وختمت تصريحها بدعوة الدولة إلى “متابعة أوضاع هذه الفئة، لأن بعض الأشخاص يصلون إلى لحظات ضعف شديد بفعل الضغط والحاجة والمرض والطقس، وأحيانا بسبب نظرة المجتمع، ما يجعل بعضهم يتصرفون بعنف”.
رصدٌ ودعمٌ فوري
محمد أيت احماد، المندوب الإقليمي للتعاون الوطني بالمحمدية، قال إنه “مع بداية موسم الأمطار وانخفاض درجات الحرارة عقدت السلطات المختصة اجتماعًا بمقر عمالة المحمدية من أجل تنسيق الجهود ووضع تصور شامل للتدخلات المرتقبة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة”، موضحا أن “الاجتماع خصص لضبط منهجية العمل الميداني وتحديد آليات التدخل حمايةً للأشخاص في وضعية الشارع مع حلول فصل البرد”.
وأشار أيت احماد، في تصريح لهسبريس، إلى أن “مدينة المحمدية لا تتوفر على مركز مخصص للإيواء المؤقت، غير أنه بتعليمات من عامل الإقليم تمّ الاتفاق على تهيئة بناية بالحي السكني الرشيدية وتجهيزها لاستقبال الأشخاص بدون مأوى طيلة فصل الشتاء”، مؤكداً أن “هذه الخطوة تأتي لتأمين فضاء يوفر الدفء والرعاية”.
وفي السياق نفسه أفاد المتحدث ذاته بأن “المندوبية الإقليمية للتعاون الوطني شكلت فريقًا للرصد الميداني، من أجل حصر عدد الأشخاص الذين يتّخذون الشارع مأوى لهم، وضبط أماكن تواجدهم داخل مختلف أحياء المدينة”، معتبراً أن “هذه العملية تشكل مرحلة أساسية قبل الشروع في التدخلات المباشرة”.
وأضاف المندوب الإقليمي للتعاون الوطني أن “مرحلة الرصد تعقبها تدخلات ميدانية تقوم بها لجنة مشتركة تضم مختلف المتدخلين، من بينهم التعاون الوطني والسلطات المحلية والوقاية المدنية والهلال الأحمر المغربي والأمن الوطني والقوات المساعدة”، موردا في هذا الصدد أن “هذه اللجنة تقوم بالانتقال إلى مواقع تواجد الأشخاص بدون مأوى قصد تقديم الدعم الفوري لهم”، ومثمّنا “تضافر جهود الجميع، خاصة عمالة الإقليم والجماعة الترابية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمجتمع المدني”.
وأوضح محمد أيت احماد أن “تعامل اللجنة مع الحالات يتم وفق احتياجات كل شخص على حدة”، مبرزًا أن “التدخل يشمل نقل الأشخاص إلى مركز الإيواء المؤقت، أو توجيه من تتطلب حالتهم ذلك إلى المركز الاستشفائي الإقليمي مولاي عبد الله، أو إحالة المسنين منهم على المركز الاجتماعي بالمحمدية، أو المركب الاجتماعي الجهوي دار الخير تيط مليل، بما يضمن التكفل الأنسب لكل حالة اجتماعية أو صحية”.
المصدر: وكالات
