اعتبر الدكتور عبد الله بوصوف، الباحث في العلوم الإنسانية، نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية محسومة بشكل مسبق لصالح الرئيس الحالي قيس سعيّد، والكل ينتظر فوزًا على المقاس لصالحه، مشيرًا إلى جملة من التراجعات والأجواء غير الديمقراطية التي تسبق هذا الاستحقاق، من قبيل منع مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات والسماح فقط للمرشحين المستقلين.
وأضاف بوصوف ضمن مقال توصلت به هسبريس، معنون بـ”تونس.. هل تعيش “الانقلاب الأبيض” على الديمقراطية؟” أن أغلب المراقبين يصفون ما يقع الآن في تونس بقيادة قيس سعيّد بالثورة المضادة، في ظل تضييق حقوقي وسياسي كبير، والزج بالعديد من الإعلاميين التونسيين في السجن.
وهذا نص المقال:
تعيش تونس الشقيقة على صفيح ساخن في انتظار ما بعد النتائج “المحسومة” للرئيس الحالي قيس السعيد في سباق رئاسيات قصر قرطاجة يوم 6 أكتوبر 2024.
الأكيد أن هناك إجماعا كبيرا لدى كل المحللين والمراقبين على الأجواء غير الديمقراطية التي ستجري فيها هذه الرئاسيات التونسية، والتي وصفتها أكثر من منظمة حقوقية دولية وهيئات المعارضة الداخلية بأنها “عملية اغتيال للديمقراطية”، بدأت بتجميد أعمال البرلمان في يوليوز 2021 ثم حله في مارس 2022، لتسير تونس عن طريق قوانين الحكومة فقط، وإجراء تعديل دستوري يقوي سلط واختصاصات الرئيس سنة 2022، مع إصدار مدونة انتخابات تمنع مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات وتسمح فقط للمرشحين المستقلين!
وكان طبيعيا أن تنتفض القوى الحية والأحزاب والنقابات ومؤسسات حقوق الإنسان التونسية في وجه هذه “الردة الديمقراطية”، وهي التي عاشت تجارب سياسية مريرة انتهت بثورة الياسمين سنة 2011 وإعلان خطوات كبيرة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.
كان جواب سعادة الرئيس قيس السعيد هو التجميد أو الإلغاء أو التعديل أو التضييق، مما جعل تونس في وضع سياسي غير مستقر واجتماعي بنسبة بطالة وسط الشباب لا يحسد عليها في ظل أزمة اقتصادية خانقة تهدد البلاد بالإفلاس، خاصة بعد تعثر مفاوضات الاقتراض من مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتراجع قيس السعيد عن مخرجات المساعدات المالية واللوجستية بعد توقيعه مذكرة تفاهم مع روما والاتحاد الأوروبي من أجل إيقاف موجات الهجرة الجماعية لدول جنوب إفريقيا والساحل، وهو ما يجعل مآل هذه المساعدات والاتفاقيات رهين نتائج رئاسيات 6 أكتوبر القادم.
ليس هذا فحسب، بل إن كل اختيارات السياسة الخارجية التونسية كانت محط انتقاد كبير من طرف الفاعلين الدوليين، خاصة وأن الرئيس قيس السعيد رهن مستقبل “تونس الخضرا” بمصير النظام العسكري الجزائري وتوريطه باستقبال زعيم المرتزقة ابراهيم غالي مقابل وعد 300 مليون دولار يُجهل مصيره. هذا بالإضافة إلى الدور الجديد لإيران في تونس، خاصة بعد افتتاح “حسنية” أو مركز أهل البيت والبحوث والدراسات بالعاصمة التونسية في مارس 2023، رأت فيه شخصيات داخلية تهديدا للمد الشيعي للهوية التونسية من جهة، واعتبرته أوروبا استفزازا وتهديدا أمنيا لها بمنح إيران الشيعية منفذا قريبا من أوروبا من جهة ثانية.
فأغلب المراقبين يصفون ما يقع الآن في تونس قيس السعيد بالثورة المضادة، في ظل تضييق حقوقي وسياسي كبير بالزج في السجن بالعديد من الإعلاميين التونسيين ومنع صحف ومجلات،“Jeune Afrique“نموذجا بعد نشرها لمقال لاذع، وعزوف خصوم سياسيين معارضين، خاصة من حزب النهضة وقلب تونس والحراك، والزج في السجن ببعض المرشحين لرئاسيات 6 أكتوبر ومنع بعضهم من الترشح مدى الحياة حتى بعض صدور أحكام قضائية لصالحهم.
أكثر من هذا؛ فقد عمد الرئيس المنتهية ولايته إلى تغيير قانون “الهيئة المستقلة للانتخابات” في ماي 2022، إذ أصبح أعضاؤها يعينون مباشرة من طرف رئيس الجمهورية، وهي الهيئة نفسها التي رفضت طلبات ترشيح بعض المعارضين الكبار بل منعهم من الترشيح مدى الحياة بتهم مختلفة كتقديم رشاوى وتزوير توقيعات المنتخبين أو تمويلات خارجية.
وليكون آخر فصل في مسلسل الثورة المضادة هو تعديل قانون الانتخاب وإلغاء صلاحيات المحكمة الإدارية في البت في نزاعات الانتخابات، الذي صادق عليه البرلمان التونسي أسبوعا فقط قبل يوم الاقتراع في 6 أكتوبر، وهو تعديل في شكل عقاب لهذه المحكمة التي أمرت بإعادة مرشحين لسباق الرئاسة بعد رفضهم من طرف الهيئة المستقلة للانتخابات.
على العموم، الكل ينتظر فوزا على مقاس قيس السعيد يوم السادس من أكتوبر في سباقه نحو “قصر قرطاجة” للمرة الثانية، وسط كل هذا الصخب السياسي والحقوقي والإعلامي، حيث سيكون الخصم الأول هو نسبة المشاركة والعزوف.
كما أن تونس لا تنتظر دروسا من أحد، فلها رجالها ونساؤها وحُكماؤها، ولا أحد يتمنى أن تنتقل تونس الشقيقة إلى خارج معادلات الديمقراطية وحقوق الإنسان أو الرجوع بعقارب الساعة إلى ما قبل ثورة الياسمين.
المصدر: وكالات