منذ إقرار الاحتفاء به عام 2003، يحل “اليوم الوطني للمهاجر” أو اليوم الوطني للمغاربة المقيمين بالخارج كل عام في العاشر من غشت؛ حاملاً معه تساؤلات متجددة حول حصيلة ما تحقق لفائدة هذه الفئة التي لا تبخل بتحويلات مالية سخية مازالت تحطم بعد فترة الجائحة أرقاماً قياسية فاقت 100 مليار درهم.
مناسبة الاحتفاء هذه السنة يتم إحياؤها مع تسليط المجهر على فئة الشباب بالخصوص؛ وهو ما تجلّى من شعار “الشباب المغاربة بالخارج: انتظارات وإسهامات”، الذي اختاره قطاع المغاربة المقيمين بالخارج التابع لوزارة الشؤون الخارجية لتخليد فعاليات هذا الموعد السنوي الذي يعود مُحمَّلا بالكثير من الآمال والتطلعات؛ بعضها مازال “حبيس انتظارات” أكثر من 6 ملايين مغربي ومغربية موزعين على قارات العالم الخمس.
جهود رسمية
الاحتفاء بـ”يوم المهاجر” يأتي “بالنظر إلى المكانة المتميزة التي تحتلها فئة الشباب المغاربة بالخارج ودورها في التنمية، وهو ما أكده الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش”، يسجل بلاغ صحافي للوزارة الوصية توصلت به هسبريس.
وأضاف القطاع الوزاري موضحا أن “خطاب الملك بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2022 شكّل منعطفا مفصلياً ومرجعا أساسيا للتعامل مع قضايا المغاربة المقيمين بالخارج والارتقاء بسبل تدبيرها”، مذكرا بأنه “جاء بعدد من الرسائل القوية بخصوص الدور المحوري لمغاربة العالم في الدفاع عن المصالح العليا للمملكة، وتوطيد تمسكهم بهويتهم وترسيخ دورهم في المساهمة في أوراشها التنموية”.
وسرد المصدر ذاته إجراءات اتُخذت، على مدار العام، “تفعيلا للتعليمات الملكية الواردة في خطاب 20 غشت 2022″، معدداً “عقْد اللجنة الوزارية لشؤون المغاربة المقيمين بالخارج اجتماعيْن اثنين؛ الأول بتاريخ 30 غشت 2022 والثاني يوم فاتح يونيو 2023”.
كما تم، بحسب الوزارة ذاتها، “تنظيم ثلاثة اجتماعات للجنة التقنية المنبثقة عنها؛ آخرُها عُقد يوم 9 يونيو الماضي، بالإضافة إلى تنظيم سلسلة من الاجتماعات واللقاءات للجان الموضوعاتية، التي تم إحداثها للاشتغال على بلورة برنامج تنفيذي لتنزيل التعليمات السامية الواردة في الخطاب”.
وخلصت أشغال هذه اللجان إلى “صياغة مجموعة من المقترحات والتوصيات، التي سيشكل تنفيذها دفعة قوية نحو الارتقاء بالشأن العمومي الموجه للمغاربة المقيمين بالخارج، بما يحقق أهم الأهداف المسطرة، خاصة ما يتعلق بتحديث وتأهيل الإطار المؤسساتي والتعزيز الهوياتي وتعبئة الكفاءات وتشجيع الاستثمار وتبسيط المساطر الإدارية”.
وخصت الوزارة بالذكر تنظيم الدورة 14 من الجامعة الصيفية لفائدة الشباب المغاربة المقيمين بالخارج، بمشاركة 300 شابة وشاب من 31 بلدا للإقامة، تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة، من أجل “التعزيز الهوياتي للشباب المغاربة المقيمين بالخارج، وتلبية تطلعاتهم وتحديات اندماجهم في بلدان الاستقبال”.
كما عُقد لقاء تواصلي حول “مغاربة العالم فاعلون رئيسيون في تنمية المغرب”، ناقش “تعبئة الكفاءات ومواكبة حاملي المشاريع، بتأطير ممثلين عن الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، ومؤسسة تمويلكم، والاتحاد العام لمقاولات المغرب”.
تغيير الأوضاع
أكد خالد مونة، أستاذ بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، خبير في مجال الهجرة، أن “العمل والاهتمام بقضايا مغاربة المهجر يتواصل منذ الخطاب الملكي في 20 غشت من السنة الماضية، دون تحقيق كثير من التقدم على مستوى المنجزات الفعلية في تحسين علاقة هؤلاء المواطنين المغاربة بوطنهم الأمّ”.
وأشار مونة، في تصريح لجريدة هسبريس، إلى أن “إصلاح وتجويد الإطار القانوني والمؤسساتي المتعلق بالمغاربة المقيمين بالخارج مازال حبيس النقاش البرلماني منذ سنوات دون إحراز تقدم تشريعي واضح أو نقلة نوعية تقطع مع النظرة التقليدية العاطفية لهذه الفئة”، وزاد موضحا: “حين تصبح الجالية قوة ضاغطة، ويغيّر مغاربة العالم نظرتهم التي تُظهر بعض الدراسات أنها تتوجس من واقع بلادها، عندئذ سيمكن إحداث تغيير وحمل الفاعل السياسي التشريعي على التغيير”، لافتا إلى وجود “مقاومة ثقافية لسيرورة التحول الذي يجب أن يحصل، والذي أمر به عاهل البلاد”.
الاستثمار والإدارة
أوضح الأستاذ الجامعي المتخصص في “أنثروبولوجيا الهجرة” أن “حديث الملك عن موضوع مغاربة العالم جاء السنة الماضية بشكل مباشر، مثيراً في العمق إشكاليْن أساسيين هما تبسيط إجراءات الاستثمار والمشاركة السياسية لمغاربة العالم”.
“نسبة تحويلات المغاربة بالخارج تجاه بلادهم تضاعفت ثلاث مرات مقارنة مع مستوى ما قبل الجائحة (من 30 مليار إلى 100 مليار درهم)”، يسجل مونة في تصريحه، مستدركاً بالقول: “إلّا أن نسبة 90% منها تظل تحويلات لفائدة التضامن الاجتماعي للأسر المغربية، وحتى الباقي التي تذهب للاستثمار فهي في قطاعات العقار والخدمات غير المنتجة أو عالية القيمة”.
وتابع المتحدث بأن “دعوة الملك بوضوح إلى تبسيط الإجراءات الإدارية لفائدة مستثمري مغاربة العالم، وتحفيز الشباب منهم وتوجيههم نحو استثمارات منتجة، مازالت لم تجد طريقها للتفعيل الأمثل بسبب عقلية إدارية تقليدية وقوانين فئوية تمييزية أحيانا”، منبها إلى أن “الهجرة خضعت لتغييرات كبيرة، إلا أن الخطاب نفسه تجاه المهاجرين المغاربة مازال إقصائياً تمييزياً يعود لسنوات السبعينيات”.
تداخلات سلبية
الأستاذ الباحث في قضايا المهاجرين المغاربة أثار ما وصفها بـ”خصوصية مغربية تتمثل في أن الدولة تتوفر على مجموعة مؤسسات تهتم بقضايا الهجرة والمهاجرين، لاسيما الجالية”، ما يجعل المشهد “مشتتا” موسوماً بقوة بـ”تعدّد الفاعلين والمتدخلين وتداخُل مسؤولياتهم”.
وانتقد المتحدث الفاعل التشريعي والحزبي بالمغرب لأنه “يظل غير واعٍ تمام الوعي بقضايا الهجرة ومغاربة العالم رغم الإشارات الملكية المهمة”، منبها إلى أن “حصر نظرتهم في الارتباط العاطفي للجالية بالوطن يشكل عائقا في حد ذاته، قبل الحديث عن إمكانية مشاركتهم السياسية وتطوير الانتقال الديمقراطي الذي تحدث عنه الدستور”.
واعتبر مونة في حديثه لهسبريس أن “الاهتمام بشؤون الجالية يجب أن يُبنى بوضوح على منطق رابح–رابح بينهم وبين بالمغرب”، مفسرا ذلك بـ”تزايد التنافس على كفاءات مغربية عالمية، لأن السوق مبنية على العرض والطلب؛ والحديث عن ‘عودة كفاءات العالم’ يطرح إشكالاً من نوع آخر”.
تخوفات سياسية
عن مشاركة مغاربة العالم سياسياً كما ورد ذلك في دستور المملكة، علّق المصرح لافتا إلى أنه “موضوع طالما تخللته تخوّفات وهواجس حول العمل السياسي في المغرب لدى فئة مغاربة المهجر”، موصيا بـ”ضرورة تغيير القوانين، ما سيدفعهم لتغيير نظرتهم، لأن أغلبهم مُقيمون بدول تمارس العمل السياسي بصفة ديمقراطية متقدمة”.
وسجل مونة أن “هذه الفئة تشكل نحو 10 في المائة من إجمالي ساكنة المملكة، ولا يمكن الاستمرار في إقصائها بأيّ حال”، مثيرا “إشكاليات التمثيلية وتنوعها نظرا لتنوع الهجرة المغربية في حد ذاتها”، وختم بالقول: “رغم بوادر حزبية لإدماج هذه الفئة وحضورها السياسي بشكل متنامٍ عبر هيئات تشتغل على ملفات مغاربة العالم بشكل ترافعي؛ إلا أننا مازلنا بعيدين عن تملُّك تصور واضح لقضايا مغاربة العالم سياسيا وتشريعيا، وجعلها تتصدر أولويات الفاعلين الحزبيين بالخصوص”.
المصدر: وكالات