احتفاء سنوي متجدد بأسرة الإعلام وتضحياتها، بمختلف فئاتها، وتخليد لمهنة “صاحبة الجلالة”، يضمنه “اليوم الوطني للإعلام والاتصال” الذي يصادف الـ15 من نونبر من كل سنة.
مع رقمنة “جارفة” أصبحت تُرخي بآثار لا تخطئها عيون الفاعلين على مهنةٍ خرجت بأضرار كثيرة من “أزمة الجائحة الصحية”، لا سيما في شقها الورقي الذي تأثرت كثيرا مبيعات الصحف المغربية به ضمن سياق عالمي، يتجدد الحديث كل سنة عن رهانات وتحديات الإعلام بالمغرب.
كما يشكل اليوم الوطني للإعلام، المخلَّد بالمغرب منذ مطلع الألفية الثالثة بعد الإصلاح الذي أقرته للقطاع الدولة سنة 2002، مناسبة سانحة لاستشراف آفاق المهن الإعلامية وتحدياتها المستقبلية، سواء في علاقتها بالتكوين والتربية الإعلامية أو التحول الرقمي والأخلاقيات المهنية، في “زمن الذكاء الاصطناعي”.
احتفاء بنكهة التقييم
عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قال إن “الـ15 من نونبر غدَا مناسبة للاحتفاء بالمشهد الإعلامي الوطني المهني والتضحيات الجسام التي يقدِّمُها العاملون فيه من صحافيين وصحافيات وتقنيين وغيرهم، ولكنه أيضاً مناسبة لتقييم الأوضاع والتطورات في المشهد الإعلامي بصفة عامة”.
في هذا الصدد، أكد البقالي، في حديث مع جريدة هسبريس، أنه “لا بد من تسجيل بعض الملاحظات؛ أبرزها أنه لا يمكن إنكار التطور الكبير الذي بصَم المشهد الإعلامي خلال السنين الماضية على مستويات تطور قوانين الصحافة وتطور المقاولة الإعلامية الوطنية، وكذا تحرير الفضاء السمعي البصري وتشريعات حق الحصول على المعلومة”، معتبرا أنها “تمثل مكتسبات مهمة للإعلام المغربي”.
في المقابل، لاحظ مدير نشر واحدة من أقدم الجرائد الورقية الوطنية بالمغرب (يومية العلَم) أن “هناك اختلالات كبيرة جدا”، محذرا من أن “المقاولة الصحافية المغربية تعيش مرحلة احتضار حقيقي” نتيجة عوامل عدة، أجملها في “عدم التوفر على نموذج اقتصادي حديث لمقاولات الإعلام” ومواصلة “الاشتغال بنموذج تقليدي للمقاولة الإعلامية أصبح متجاوزاً بسبب التطورات الطارئة في قطاع الإعلام والاتصال بصفة عامة”.
الاختلال الثاني، بحسب رئيس نقابة الصحافيين المغاربة، هو “تداعيات جائحة كورونا وما خلّفته من عواقب وخيمة على المشهد الإعلامي الورقي”، مستدلا بـ”انخفاض عدد نسخ الصحف الورقية المباعة من أكثر من 350 ألفا إلى 40 ألفا يومياً حاليا”، مؤكدا أن هذا مؤشر لتكريس ثورة عميقة للانتقال نحو “مجتمع رقمي” من خلال البحث عن الأخبار في شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وهو ما يفسر-بحسبه-الدعم المالي الكبير الذي تُقدّمه الدولة لإبقاء هذه المقاولات في غرف الإنعاش”.
مواكبة التغيرات الإعلامية
على مستوى القوانين المؤطرة للإعلام بالمغرب، لفت عبد الله البقالي إلى أن “القانون وإنْ كان عُدّل في 2016 بتشريع جديد، إلا أن النص يظل قابلا للتغيير ويجب أن يقع تغييره باستمرار”.
وقال بهذا الشأن لهسبريس: “نلاحظ أن قوانين مدونة الصحافة والنشر 2016 أصبحت متجاوَزة مسجلة العديد من الاختلالات في ما يخص تنظيم المجلس الوطني للصحافة وكذا الولوج للمهنة وطبيعة المقاولات…”، قبل أن يشدد على “ضرورة مدونة الصحافة والنشر بقوانينها الثلاثة”.
“الصحافي في المغرب هو الأقل دخلاً مقارنة بالأطر المغربية في مهن منظَّمة أخرى”، يورد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، معتبرا أن “العامل/المورد البشري يظل أقل تكلفة من باقي الموارد الأخرى ووسائل الإنتاج”.
ودعا البقالي إلى “العناية القصوى والمستعجَلة بأوضاع العاملين في مجال الإعلام بالمغرب اجتماعياً ومهنياً”.
خلال التصريح نفسه، أشار البقالي إلى وجود “تحديات يجب أن نواجهها بكل شجاعة وجرأة”، منبهاً إلى “انفلات إنتاج المحتوى الإعلامي” الذي لم يعد مقتصِراً على الصحافي المتمكّن والمؤهَّـل أكاديمياً أو عبر خبراته المتراكمة، موردا مثال “الإقبال الكبير على المحتوى الإعلامي غير المقنن وغير المؤطَّر والصادر عن جهة غير كُفؤة بإصداره، وهو تحدّ قوي لأن له انعكاسا على القيم والأجيال الصاعدة وتنشئتها الإعلامية”.
“الإعلام العمومي، الذي يجب أن يمثل قاطرة للتغيير، مازال يعيش انغلاقا غير مفهوم على الإطلاق، كما مازال مُصرّاً على العمل التقليدي المنغلق الذي لا يستوعِبُ تعدد الآراء ولا الاختلاف”، يختم المتحدث.
الشق التكويني
عبد اللطيف بنصفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، أقدمُ مؤسسة عمومية لتكوين الصحافيين وأطر الإعلام والتواصل بالمغرب، تفاعل مع تخليد اليوم الوطني للإعلام، “مهنئاً جميع الصحافيين والعاملين بالقطاع الإعلامي الوطني” مع “وقفة تقدير وإجلال لتضحياتهم اليوم لإيصال المعلومة وتبسيطها وشرحها للعموم”.
ومن منظار الأكاديمي، قال بنصفية في إفادات قدمها لهسبريس إن “الصدق يقتضي الإقرار بطفرة وتطور كبير عرفه المشهد الإعلامي المغربي منذ 2022 إلى اليوم”، معدّداً محطات “إصلاح القطاع الإعلامي من خلال هيكلة للقطاع وتنظيم مؤسساته”، مشيداً بهيكلة “مؤسسات الحكامة والتنظيم التي تعمل على تأطيره وضبطه”.
وأكد مدير “ISIC” أن “مجال التكوين في الإعلام بالمغرب، سواء الأساسي أو المستمر، عرف تطورات في مجال التكوين في القطاعيْن العمومي والخاص”، مسجلا أن أبرز تغيّر هو أنه “لم يَعُدْ حكراً على المؤسسة الوحيدة التي هي المعهد، بل وقع تطور عددي بالنسبة لمؤسسات التكوين، سواء تلك التي تضم شعباً جامعية أو مؤسسات تشتغل في القطاع الخاص”.
وتابع بأن “هذا جعلنا نفكر في خلق شبكة للمؤسسات العاملة في قطاع التكوين الإعلامي لتوحيد النموذج والرؤية التكوينية وحتى الأهداف التي نصبو إليها”. والقصد واضح بالنسبة لبنصفية، وهو “تخريج أطر إعلامية كفؤة بالنسبة للمشاريع الإعلامية الطموحة لتطوير المجتمع المغربي وجعله قطباً منتجا قارياً وإقليمياً”، واعتبر أن “المعهد (إيزيك) يتصدر هذه الجهود الطموحة من منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقناً تكويناً وتأطيراً”.
نموذج التكوين المأمول
أكد بنصفية أن “المعهد انخرط بشكل كلي في مجال الرقمنة الشاملة، سواء من حيث تجهيزاته أو العرض التكويني الذي ينتظر من وزارة التعليم العالي التصديق النهائي”. وقال لهسبريس: “وضعنا من العام الماضي برنامجاً متكاملا من السنة 1 إلى السنة 3 (سلك الإجازة)، كما غيّرنا برنامج التكوين بما يتناسب مع موجة الذكاء الاصطناعي وقضايا التحول الرقمي ومهن الإعلام الجديدة”.
وفصّل بأن “سياسة رقمنة العرض التكويني تشمل شقيْن: تنظيمي وخاص بالتجهيزات، فضلا عن طريقة تدبير رقمية إدارية وتربوية، كما أنهيْنًا تجهيز الاستوديو الرقمي الجديد”.
ويسعى المعهد العالي للإعلام والاتصال، بحسب مديره، إلى “نموذج تكوين خاص بالمغرب يركز على القضايا الوطنية المجتمعية الكبرى لبلادنا، مع تملّك الثقافة الوطنية ثم التقنية الإعلامية وأخلاقيات الإعلام”، معتبرا أن الرهان هو “التجاوب مع حق المواطنين والمؤسسات المهنية في معلومات موثوقة ومهنية قائمة على احترام الذات والآخر”.
وشرح لهسبريس: “في شق التكوين اقترحْنا في النظام الجديد العمل بنظام متدرج جديد يعتمد الرقمنة كمنهج، إذ في كل مستوى على الأقل ستكون 3 دروس خاصة بالمجال الرقمي من حيث الإنتاج وضبط المضامين والمحتويات من حيث مهنيتها وأخلاقياتها، مع الانفتاح على مستجدات الذكاء الاصطناعي”.
كما أشار إلى أهمية أجرأة العمل بـ”تربية إعلامية ورقمية ومواكبة مهن الإعلام الجديد في تحولاته الرقمية”، ضاربا المثل بـ”تكوين مؤثرين إعلاميين ولكن بضوابط صحافية مهنية وأخلاقية”، و”لا يمكن أن نغفل أن هناك تطورات (JRI، مختصو البودكاست، التحقق من الأخبار …). كل هذا مع الاحتفاظ بمجالات التكوين الثقافي الرصين، الانفتاح على الاقتصاد الرقمي، ومحور للتكوين خاص بالقضايا الوطنية، مع تكثيف الاهتمام بالعلاقات الدولية”.
المصدر: وكالات