يحتفي العالم بـ”اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم”، بعد إقراره قبل ثماني سنوات (في العام 2015) وفق قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويحل هذا اليوم الأممي المحتفى به في 11 فبراير من كل عام حاملاً معه تساؤلات عن “معيقات” حضور نون النسوة في مجالات العلوم والتقنيات، لاسيما في سياق مغربي يشهد ضعفا مماثلا في التمكين الاقتصادي أيضاً.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعا في رسالة له، بالمناسبة، إلى “بذل مزيد من الجهود من أجل تشجيع اشتغال النساء والفتيات بميدان العلوم من خلال المنح الدراسية وفرص التدريب الداخلي والبرامج التدريبية التي توفر لهن انطلاقة نحو النجاح”، مردفا: “لنبدأ بملء الفصول الدراسية والمختبرات وقاعات مجالس الإدارة بالنساء المشتغلات بالعلوم”.
ويتزامن الاحتفاء باليوم الدولي، هذه السنة، مع ما خلصت إليه نتائج “استشارة رسمية” أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بطلب من وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، (بلغ عدد التفاعلات معها 143 ألف تفاعل)، إذ أبانت أن العائق الرئيسي الذي يعيق المساواة بين النساء والرجال في المغرب يكمن، بالأساس، في “العوامل الثقافية، والعقليات والتمثلات الاجتماعية السائدة تجاه المرأة”.
وكان لافتا أن تتبوأ “صعوبات الحصول على التعليم والتكوين” بنسبة 43.39 في المائة من الآراء المستطلَعة، أسباب “ضعف التمكين للنساء” في المجتمع المغربي. فيما تؤشر أحدث إحصائيات المنظمة الأممية إلى أن النساء “يشكّلن أقل من ثلث القوة العاملة (نسبة الباحثات تبلغ 33,3% من مجمل الباحثين، و12% فقط من أعضاء الأكاديميات الوطنية للعلوم من النساء) في ميادين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بل إن نسبتهن أدنى من ذلك في ميادين الابتكار شديدة التطور، إذ لا توجد سوى امرأة واحدة من بين كل خمسة مهنيين يعملون بميدان الذكاء الاصطناعي”.
الفاسي: محاربة “الصور النمطية”
الدكتورة فريدة الفاسي، أستاذة “فيزياء الجسيمات” في كلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط، لم تُخف قلقها من الإشكالية التي تطرحها مشاركة المرأة في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا، مسجلة بأسف شديد “استمرار انخراط مازال ضعيفاً للمرأة الباحثة العاملة في مجال العلوم”، وهو ما تظهره الأرقام أعلاه بحسبها.
ورصدت الباحثة العلمية المغربية المصنفة أكتوبر الماضي ضمن “لائحة 200 باحث عبر العالم”، في تصريح لهسبريس، “مجهودات جبارة عالمياً”، لافتة إلى أن “المرأة تدرس تخصصات علمية تتطلب وقتا، كفاحا وجُهدا”.
وفسرت الأستاذة الجامعية ضعف الحضور العلمي للنساء بعوامل ثقافية وصور نمطية مجتمعية “مازالت تعتمد التقسيم الطبيعي للأدوار داخل المجتمع بين المرأة والرجل”، مؤكدة أن “الفتاة ليس محكوما عليها أن تظل حبيسة المنزل، بل لها إمكانيات كاملة لتأخذ مسيرتها الدراسية إلى أبعد الحدود”.
كما اعتبرت الفاسي أن “المحيط يؤثر في التميز العلمي للنساء، سواء من الأسرة أو باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية”، ما يستدعي “التغلب على الظروف والعوائق وحُسن توجيههنّ”، مشددة على أن تجربة تدريسها بالجامعة المغربية كشفت لها عن “شغف الإناث بالرياضيات، لكن الواقع البحثي مؤسف ومازال رهين هيمنة ذكورية”.
وخلصت الدكتورة في الفيزياء النووية إلى “ضرورة تشجيع إحداث منح بحثية أكاديمية خاصة بالنساء شبيهة بمنطق الكوطا في التمثيلية السياسية”، مردفة: “الله تعالى قال في كتابه ‘اقرأ’، في خطاب موجه للمرأة والرجل على السواء”، ومعتبرة أن “الإرادة السياسية شرط لازم لتصويب مفاهيم مغلوطة يلزمُها تغيير تدريجي بدأنا نجس نبضه ولو بشكل بطيء”.
الشرقاوي: “الإناث أكثر تفوقاً في نتائج المواد العلمية”
المنوال نفسه نسجت عليه الدكتورة رجاء الشرقاوي، التي تولت مسؤولية نائبة رئيس جامعة محمد الخامس لأربع سنوات، حينما قالت في حديث مع جريدة هسبريس إن “نتائج ونسب نجاح الفتيات تكشف بجلاء أنهن يتفوقن كثيرا على نظرائهم الذكور في التعليم العالي، لاسيما في التخصصات العلمية؛ ما يعكس حقيقة مفادها أن الفتاة تُصارع واقعها ومثبطاته، ولديها تعطُّش للوصول مقابل لامبالاة من الذكور”.
وأكدت الشرقاوي، التي احتلت مراتب متقدمة ضمن أرقى 200 باحث عالمي، أنها لم تحس يوماً وطيلة مسار تجربتها الأكاديمية بحثيا ومهنياً بأي تمييز طالها بسبب نوعها كأنثى، مشددة على أن “المجال العلمي يفتح آفاقا كبيرة أمام الكفاءة والتميز، سواء كان بصيغة المذكر أو المؤنث”.
المتخصصة في الفيزياء النووية لفتت ضمن التصريح ذاته إلى أن “المغرب يتوفر على نسَب مئوية مرتفعة عموما للنساء الباحثات في العلوم، مقارنة مع أغلب الدول العربية وبعض دول أوروبا”، قبل أن تستدرك: “إلا أن هذه الأخيرة تفوقنا بمستويات متقدمة من حيث العدد وكيفية تخصيص منح بحثية علمية خاصة بالإناث لدعمهن عمليا في مسارهن”.
ويتوفر المغرب، وفق رجاء الشرقاوي، حالياً، على “ثلاث باحثات أكاديميات مُقيمات بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، في وقت تصل نسبة الإناث اللائي يدرسن مختلف التخصصات الهندسية بالمدرسة المحمدية للمهندسين إلى 40 في المائة، فيما تعود 60 في المائة من الأبحاث العلمية المنجزة بالمغرب إلى نساء”.
ودعت الباحثتان المغربيتان اللّتان رفعتَا راية المملكة عالياً، خلال أكتوبر 2022، إلى جعل الإناث “مصدر إلهام ونموذجا يحتذى” قصد تناقل ثقافة الاعتراف بالمرأة الباحثة في العلوم بين الأجيال الصاعدة التي تحمل “أمل بلوغ المناصفة العلمية”.
يشار إلى أن هذا اليوم الدولي يهدف إلى “ربط المجتمع الدولي بالمرأة والفتاة في مجال العلوم، وتقوية الروابط بين العلم والسياسة والمجتمع، بما يحقق الخطط العامة الموجهة نحو المستقبل، وفقا لما أوردته الصفحة الرسمية المخصصة للاحتفال بهذا اليوم”. بينما ينصب التركيز هذا العام، حسب الأمم المتحدة، على “ما تضطلع به المرأة والفتاة والعلوم من دور في تحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
المصدر: وكالات