يمثل يوم 29 ماي من كل سنة، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوما دوليا لحفظة السلام، تزامنا مع إنشاء أول بعثة أممية لحفظ السلام لمراقبة الهدنة بين إسرائيل والدول العربية سنة 1948، مناسبة لتسليط الضوء على دور هذه البعثات التي يعمل في صفوفها أكثر من 70 ألف عنصر، منتشرين في مجموعة من النقاط الساخنة عبر العالم، في تثبيت دعائم الاستقرار، والاعتراف بتضحياتهم في سبيل دعم استقرار الدول والمجتمعات الممزقة.
وتعد المملكة المغربية من أكبر الدول المساهمة في هذه القوات الأممية التي تنشط في عدد من الدول، خاصة في إفريقيا، إذ تؤكد مجموعة من التقارير، بما فيها تقرير لـ”معهد ستوكهولم لأبحاث السلام”، صدر العام الماضي، أن الرباط تحتل المرتبة الأولى مغاربيا على هذا المستوى، والتاسعة إفريقيا برسم سنة 2022.
من جهته كان موقع “إنسايدر مانكي” الأمريكي صنف المغرب في المركز الـ11 عالميا في هذا الإطار، مسجلا أن “أكثر من 75 ألف جندي وشرطي مغربي خدموا في مختلف عمليات حفظ السلام الأممية في أكثر من 14 مهمة في عدد من الدول وبؤر النزاع في العالمي”، دون أن يخلو الأمر من بعض التضحيات، إذ لقي على سبيل المثال جندي مغربي حتفه أواخر العام 2022 في هجوم استهدف القوة الدولية للسلام في جمهورية إفريقيا الوسطى، التي تشهد حربا أهلية منذ أكثر من عقد من الزمن.
توجه تاريخي
هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، قال إن “المغرب كان دائماً حاضرًا كمساهم فعَّال في بناء السلام العالمي من خلال ديناميكية تحركاته الداخلية والإقليمية والقارية والدولية، من خلال تبني مقاربة التنمية من أجل الاستقرار كمحرك لتنزيل تصوراته العامة حول مفهوم السلام، وحفظ الإطارات المؤسساتية لعملية التعايش الاجتماعي”.
وأضاف معتضد، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الذي يؤطر مشاركة المغرب في قوات حفظ السلام هو مجموعة من الأبعاد، منها على الخصوص الثقافية والسياسية والقانونية، التي تؤمن بها القيادة المغربية، والمتشعبة في بناء مؤسسات الدولة، كتوجه تاريخي ينبثق من دور المغرب كدولة تعتبر حفظ السلام محورا أساسيا في سياستها الخارجية، وركيزة إستراتيجية في تصورها للعلاقات الدولية والتعايش المجتمعي العالمي”.
وتابع الباحث ذاته بأنه “من الناحية العملية هناك إطار ملكي وعسكري وأمني مبني على تصورات واضحة تندرج ضمن رؤية إستراتيجية متكاملة المعالم، ومنسجمة مع خارطة الطريق التي تتبناها المؤسسات السيادية المغربية من أجل الحفاظ على الأمن القومي المغربي، وعلى توازنات الدولة المغربية داخل ديناميكية الفضاء الدولي، من باب حفظ السلام واستتباب الأمن لصالح المجتمع الدولي”.
وبين المتحدث أن “الدور التاريخي للمغرب في بناء السلام العالمي وضبط استقراره ساهم بشكل كبير في بناء صورة سياسية ذات بعد أمني جد إيجابية بخصوص التوجهات السياسية للبلد، الذي أبرز للمنتظم الدولي مبادئ وقيم مؤسساته السياسية من خلال انسجام الخطاب السياسي الأمني للمملكة وانخراطها الفعلي عبر مختلف مؤسساتها الدفاعية في الحفاظ على السلم والأمن العالميين”، مشددا على أن “مختلف الوحدات العسكرية والقوات الأمنية المغربية تتمتع بمصداقية عالية لدى مختلف الفاعلين الدوليين، لما راكمته من تجارب مركبة في مهام حفظ السلام”.
دور ريادي
البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل المخاطر وتدبير الصراع، قال إن “المساهمة الفاعلة للمملكة المغربية في قوات حفظ السلام لها منطلقات عدة، أهمها الدور الريادي للمملكة في دعم جهود الاستقرار والسلام والأمن من خلال مشاركة فاعلة ومتميزة في عمليات الأمم المتحدة بقوات عسكرية لها تدريب على أعلى مستوى من المهنية والاحترافية”، مشيرا إلى أن “المشاركة المغربية في هذا الإطار تأتي انطلاقا من وعي المغرب وقيادته بالدور الهام الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة في نشر قيم ومعاني الأمن والسلام في جميع أنحاء العالم”.
وأوضح الخبير ذاته أن “المغرب يلتزم على هذا المستوى بثلاثة مبادئ أساسية وضعتها الأمم المتحدة لقوات حفظ السلام، أولها موافقة الأطراف المتنازعة، ثم الحياد، وأخيرا عدم استخدام القوة إلا للدفاع عن النفس أو عن الولاية”، مشددا على أن “هذه المبادئ توجه مشاركة المغرب في عمليات حفظ السلام، وتضمن فاعلية قوية لتدخلاته الميدانية، مع التزام واحترافية عاليين، مع ما يتماشى مع المبادئ والأهداف التي توجه هذه العمليات وتتطابق مع الرؤية الملكية المستنيرة التي تؤطر عمل القوات المغربية في هكذا عمليات أممية”.
وزاد المتحدث شارحا: “بالإضافة إلى مساهمات المغرب في قوات حفظ السلام فإنه يلعب دورا رياديا في تعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي، إذ لعب أدوارا محورية في جهود السلام والمصالحة في مناطق عديدة من النزاعات، ما جعله شريكا موثوقا للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، كما قدم مبادرات سياسية ودبلوماسية ناجحة لتسوية العديد من الصراعات، ويتوسط في العديد منها، إضافة إلى مساهمته الفاعلة في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتعزيز الأمن الإقليمي”.
وخلص البراق في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية إلى أن “المغرب قدم أيضا مساعدات إنسانية وإنمائية لعدة دول متضررة من النزاعات والكوارث، كالمستشفيات الميدانية والمساعدات الغذائية والطبية، ما جعله شريكا لا محيد عنه في عمليات حفظ الاستقرار وإعادة الإعمار وبناء السلام على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
المصدر: وكالات