خلد المغرب قبل أيام الذكرى الرابعة والستين لزلزال أكادير الذي أودى بحياة حوالي 15 ألف مواطن، في حين يتزامن الثامن من مارس الجاري مع مرور نصف سنة على زلزال الحوز الأليم الذي أودى هو الآخر بحياة حوالي ثلاثة آلاف شخص وجرح ما يصل إلى ستة آلاف آخرين.
في هذا الصدد، أفاد نصر الدين اليوبي، خبير بالمركز الوطني للبحث العلمي والتقني أستاذ جامعي بكلية العلوم السملالية بمراكش، بأن “المراجع العلمية والدراسات المنجزة سابقا حول الزلزال كانت بمبادرة فرنسية إبان فترة الحماية، ما جعلنا اليوم لا نعرف تحديدا تاريخ البلاد مع الظاهرة الزلزالية للفترة التي سبقت سنة 1912”.
وبين الأستاذ الزائر بجامعات دولية، في الحوار التالي، أن “البحث العلمي بالمغرب حول الزلازل يعاني من إكراهات عديدة، منها ضعف الوسائل اللوجستيكية وهجرة الأدمغة صوب الخارج، إلى جانب عدم وجود مؤسسة واحدة تحوز الاختصاص لوحدها”، لافتا إلى أن “انفتاح المغرب على تجارب دولية في مجال تدبير الزلازل يبقى أمرا مستحسنا وسيمكن من تحسين الخبرات الوطنية في هذا الصدد”.
نص الحوار:
عدد من المغاربة ليست لديهم معرفة واسعة بتاريخ المغرب مع الزلازل، ما الذي حال دون ذلك؟
بالفعل، عدد من المغاربة يعرفون فقط الزلازل الثلاثة الكبرى الأخيرة، كزلزال أكادير 1960 وزلزال الحسيمة 2004 وأخيرا زلزال الحوز 2023، غير أن هذه الزلازل ليست الوحيدة التي ضربت المغرب، إذ يجب أن نعرف أساسا أن جزء كبيرا من المملكة يقع بمنطقة نشطة من ناحية الزلازل والبراكين، من أكادير إلى الناظور ووجدة، وهذه المنطقة تقع فيما يسمى “Moroccan Hot Line”، أي “الخط المغربي الساخن” الذي يبتدئ من جزر الكناري.
وما جعل المغاربة لا يكتسبون معرفة كبيرة بالتاريخ الزلزالي بالمملكة، هو أن المراجع وجميع المستندات الموجودة حاليا تتعلق بالزلازل التي وقعت فقط خلال الفترة اللاحقة على سنة 1920، على اعتبار أن سلطات الحماية الفرنسية حاولت خلال تلك السنة تأسيس المعهد العلمي بالرباط “L’institut Scientifique de Rabat” بهدف توفير مؤسسة متخصصة في دراسة مختلف الظواهر الطبيعية.
أتقصد أن الفرنسيين كان لهم الفضل في بداية البحث العلمي حول الزلازل بالمغرب؟
بطبيعة الحال، ففرنسا عندما دخلت إلى المملكة حاولت استغلال مختلف الجوانب العلمية بشكل يسمح لها بمعرفة مختلف الخصائص الطبيعية والجيولوجية والديمغرافية للبلاد، وهو ما ينطبق على تجارب أخرى للدول الاستعمارية، حيث يظل ذلك من الاستراتيجيات التي تُعتمد عند ولوج دولة جديدة، وبالتالي كان البحث العلمي حول الظواهر الطبيعية، بما فيها الزلازل، من بين ما اهتمت به فرنسا بعد أن دخلت المغرب في الفترة التي تلت سنة 1912.
وعلى هذا النحو، نجد كما أشرنا إلى ذلك أن المراجع المتوفرة والدراسات حول الظاهرة الزلزالية بالمملكة تقتصر فقط على الفترة اللاحقة على سنة 1920، ما جعل العديد من المغاربة يعتقدون أن المملكة مرت فقط من ثلاث محطات زلزالية، على اعتبار أن هذه المحطات كانت بالفعل قوية وخلفت خسائر مادية وبشرية مهمة.
في السياق نفسه، هل هنالك تطور في تعامل الدولة مع الظاهرة الزلزالية إذا ما قارنا بين سنتي 1960 و2023 على سبيل المثال أم إن ما يسجل ضده أكبر مما يسجل لصالحه؟
ما يسجل ضد الدولة في هذا الصدد هو أنها لا تتوفر على سياسة رسمية مستمرة وواضحة بخصوص التعامل مع الزلازل، خصوصا في الشق المتعلق بالبحث العلمي، على اعتبار أنها تتعامل بمنطق اللحظية أو الموسمية، وبذلك يتضح أن البحث العلمي ليس بالأولوية لديها في هذا الإطار، على اعتبار أن هنالك تداخلا في الاختصاصات بين عدد من المتدخلين، بشكل لا يمكن من إيجاد تنسيق مشترك بينهم، خصوصا وأننا نشير إلى تداخل اختصاصات المركز الوطني للبحث العلمي ومعهد البحث العلمي، إلى جانب الجامعات في هذا الإطار. وكلها متفاوتة في الإمكانيات المادية والبشرية.
كباحث في علوم الأرض، هل بالفعل تسبب النقص المسجل في منظومة الرصد الزلزالي في تسجيل خسائر أكبر كما تقول بعض الأوراق البحثية؟
حتى لا نكون قاسين، يجب أن نشيد بالتئام مختلف الفاعلين، من وقاية مدنية وقوات مسلحة ملكية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني التي بادرت إلى التدخل والقيام بما يلزم من خلال انتشال الضحايا وتدبير مرحلة ما بعد الزلزال. والمرحلة التي تبقى أكثر أهمية اليوم، هي التي تتعلق بإعادة الإعمار، حيث يبقى السؤال القائم في الوقت الحالي هو: كيف سنتمكن من إعادة الإعمار وفقا لمعايير علمية يمكنها أن تساهم في تفادي مثل هذه الوقائع في المستقبل أو التخفيف من حدة الخسائر؟
وماذا عن وضعية البحث العلمي حول الزلازل بالمملكة؟
دعني أقول لك في البداية إننا في المغرب نتوفر على كوادر متخصصة في دراسة هذه الظواهر الطبيعية، ولكن ليست بالشكل الكافي، فالمشكل المطروح هو أن عددا من الأساتذة الذين أنهوا عملهم ووصلوا إلى مرحلة التقاعد لا يمكنهم الاستمرار في مناصبهم كأساتذة باحثين، وبالتالي يبقون كأساتذة شرفيين لا غير، ما يمنعهم من الاستمرار في الأنشطة المتعلقة بالبحث العلمي في الظاهرة الزلزالية بالمملكة، وبالتالي نحن اليوم أمام مرحلة تغادر فيها كفاءات كبيرة المجال إلى التقاعد.
وفيما يتعلق بالإقبال على دراسة التخصص، ليس هو الآخر بالشكل الذي نتمناه، مع الإشارة إلى أن عددا من الأطر يغادرون إلى دول أجنبية كفرنسا والولايات المتحدة، كما هو الحال في قطاعات أخرى، بحثا عن ظروف عمل أكثر استقرارا وأفضل من التي يشتغلون فيها بالمغرب.
وكيف السبيل إذن لتجاوز هذه الوضعية؟
بداية، يجب أن نلجأ إلى استراتيجية تروم تركيز مختلف المجهودات ضمن جانب واحد، وذلك من خلال إقامة مؤسسة وطنية مستقلة تُعنى بالبحث في مجال الظواهر الطبيعية عموما، إلى جانب رصد الموارد المادية والعناصر اللوجيستية التي تكفي من أجل تعزيز البحث العلمي في هذا المجال وتجاوز النقص المسجل فيه، في ظل وجودنا أمام تشتت الكوادر المتخصصة على مستوى مؤسسات مختلفة.
في الآونة الأخيرة رأينا تنسيقا بين المغرب واليابان في هذا المجال. ما الاستفادة المغربية المرتقبة من هذا الانفتاح العلمي؟
نعم، التنسيق المغربي مع الجانب الياباني في هذا الإطار جاء بوساطة من منظمة اليونيسكو، وذلك في إطار مشروع تقدر تكلفته بـ9 ملايين درهم، يروم مساعدة المغرب على تجاوز مرحلة ما بعد الزلزال، خصوصا فيما يرتبط بالتوعية والإرشاد. وتجدر الإشارة إلى أن اليابان من بين الدول الرائدة في التعامل مع الزلازل، على اعتبار أنها من بين الدول الأكثر تعايشا مع هذا النوع من الكوارث الطبيعية.
ولا يمكن أبدا أن نقلل من هذا التنسيق، فكما هو متعارف عليه، لا يمكن إنجاز بحوث علمية بشكل فرداني وسط مجتمع عالمي متعدد الخبرات والتجارب، فتراكم الخبرات يمكن من الوصول إلى نتائج أكثر شمولية وسيمكن من معالجة النواقص التي يمكن لدولة ما أن تسجلها على مستوى البحث العلمي في هذا الجانب، كما هو الحال بالنسبة للمغرب.
المصدر: وكالات