حذر محمد اليازغي، القيادي الاتحادي البارز، من خطر تخلّي الحكومة الجزائرية عن جميع سلطاتها في منطقة تندوف، معتبرا أن ذلك يُخلي الساحة لحركة البوليساريو الانفصالية التي قد تتخذ مخيمات تندوف منصة لمهاجمة المغرب، وإشعال حرب في المنطقة ككل.
وقال اليازغي، في كلمة خلال لقاء تكريم نظمته على شرفه مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، مساء اليوم الجمعة في الرباط، إن “السياسة الجديدة للحكومة الجزائرية لا تسير في اتجاه ما نادى به المغرب من علاقات أخوية تُبنى على الحوار والتعاون وتجاوز المشاكل”، وذهب إلى أن “الحكومة الجزائرية تسير في اتجاه خطير على المنطقة، إذ إن القرار الذي اتخذته بالتخلي عن أي سلطة في تندوف لفائدة البوليساريو لا يخدم مصلحة المغرب ولا مصلحة الجزائر”.
وأردف القيادي الاتحادي العارف بخبايا ملف الصحراء المغربية بأن “التحركات التي تقوم بها الحكومة الجزائرية والحكومة الجنوب إفريقية حاليا، للترويج لأطروحة الانفصال في الصحراء المغربية، ليست موقفا إيجابيا، ومن شأنها أن تؤجج مخاطر اندلاع الحرب في المنطقة”.
كما شدد اليازغي على أن “المغاربة يجب أن يبقوا، في ظل هذا الوضع، مجندين لأن قضية الصحراء لم تنته بعد، وإن استرجع المغرب أقاليمه الصحراوية، وبرزت إرادة للاندماج في الوطن الأم، إذ إن العلاقات المقبلة لا تسير كما أرادت المملكة”.
من جهة ثانية، نوه عدد من أصدقاء اليازغي، في شهاداتهم، بالمسار الحافل للرجل، إذ استعرض محمد الصديقي “المحطات الصعبة من مساره النضالي”، حيث تعرض، مثل عدد من القادة الاتحاديين، “لسلسة من الملاحقات القضائية ومحاولات النيل منه لإخراس صوته المزعج للسلطة”.
وقال الصديقي إن “اليازغي تعرض لملاحقات ومضايقات مسترسلة، وعانى من الاعتقالات التعسفية والاختطاف، إذ اعتقل أول مرة في الحملة التي شملت كثيرا من الأطر الاتحادية في مختلف ربوع المغرب، بداعي الانتماء إلى تنظيمات سرية تهدد سلامة وأمن الدولة”، وأضاف أنه “بعد إحالته رفقة رفاقه الاتحاديين المعتقلين على قاضي التحقيق في المحكمة العسكرية تبين أن القضية ليست من اختصاص القضاء العسكري، فأحيلوا على القضاء المدني، وصدرت في حقهم أحكام تراوحت بين الإعدام والسجن لعشرات السنين والبراءة.
“رغم أن اليازغي كان من الذين تمت تبرئتهم، إلا أن الملاحقات التي تعرض لها لم تتوقف، إذ لم تمر سوى سنة ونصف حتى كاد يلقى حتفه في حادث مدبر، إذ توصل بطرد ملغوم ما كاد يفتحه حتى انفجر في وجهه، وتعرض جراء ذلك لإصابات خطيرة، ونجا من الموت بأعجوبة”، يورد المتحدث ذاته.
الصديقي وصف اليازغي بأنه “كان طيلة مساره السياسي مناضلا صلبا لا يخرج من محنة إلا واشتد عوده صلابة وقوة، ولا يهتم بصغائر الأمور، بل كان همه الأكبر هو الانشغال بالمعارك الكبرى”.
من جهتها قال لطيفة جبابدي، في شهادتها في حق المحتفى به، إن “الهم الأكبر للرجل كان هو رفعة الوطن ووحدته وتقدمه، وناضل بكل ما أوتي من قوة من أجل الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان”.
وأبرزت جبابدي أن “اليازغي كان أحد قادة اليسار البارزين، وأحد زعمائه التاريخيين، في زمن قلة النخب، وانحسار قوى التقدم”، مشيرة إلى أنه “كان من أبرز وجوه المعارضة المغربية ككل، إلى جانب رفقائه عبد الرحيم بوعبيد، والشهيدين عمر بنجلون والمهدي بنبركة، وعبد الرحمان اليوسفي”.
وأضافت المتحدثة ذاتها أن المحتفى به “كان سياسيا محنكا يجمع بين الصرامة المبدئية والمرونة السياسية، ويتمتع بكاريزما قيادية، والقرب من القواعد التنظيمية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ما أهله ليكون رجل التنظيم السياسي والحزبي في الآن نفسه”.
حسناء أبو زيد، النائبة البرلمانية سابقا عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، استهلت شهادتها في حق اليازغي بالتطرق إلى “أزمة الفعل الحزبي، ومستقبل العمل السياسي في المغرب، والدور الذي ينبغي أن تلعبه الأحزاب السياسية في حل مشكل الصحراء”.
وقالت أبو زيد إن “الفعل الحزبي في القضية الوطنية يجب أن يتجاوز الدور التقليدي الذي يركز أكثر على الخارج، إلى المساهمة في بناء حل من الداخل، عبر تفكيك وفهم وعي المجتمع السياسي في الصحراء، وشروط الانفتاح السياسي والمدني في المنطقة، ومقاربة الملف عن طريق سياسة عمومية تخضع للتشاور والمحاسبة”.
عائشة بالعربي أبرزت في شهادتها “الدور الذي لعبه محمد اليازغي في الدفاع عن مصالح المغرب، ودمقرطة نظامه السياسي، وعصرنة مؤسساته”، لافتة إلى أنه “دافع عن المعتقلين السياسيين، وله معرفة دقيقة بالمناضلين الاتحاديين وكان جد مقرب منهم”.
وتوقف محمد الناصري في شهادته عند ما قدمه اليازغي للمغرب كفاعل حكومي عندما كان وزيرا لإعداد التراب الوطني، لافتا إلى أنه “انشغل بضرورة الإحاطة العلمية بالمجال، من خلال دراسة معمقة لجميع ربوع المغرب، وإمكاناتها المتاحة”.
وأضاف الناصري أن “اليازغي أحاط نفسه بطاقم من الكفاءات من أجل إنجاح مهمته، ما أثمر عطاء كبيرا من ناحية المعرفة العميقة بالمجال، غير أن المنجز المحقق بقي جامدا ولم يعمل به أحد”، وفق تعبيره.
المصدر: وكالات