قال الباحث المغربي عبد السلام انويكة إن المغرب عرف حوالي أربعمائة حادثة زلزالية ما بين القرن التاسع الميلادي وأواخر القرن الماضي بأضرار مادية كبيرة بمدن فاس ومليلية والحسيمة وأسفي وأكادير وغيرها، بناء على المصادر التاريخية منذ العصر الوسيط.
واستحضر الأكاديمي ذاته، ضمن مقال توصلت به هسبريس، نوستالجيا يوم القيامة ولحظات الموت عقب الهزات الزلزالية، مبرزا أنها نتاج تفاعلات باطنية شاهدة على أن الأرض حية ودينامية وغير جامدة، وأن وضعها وطبيعتها ناجمان عما يوجد بها من طاقة حرارية ضخمة بين جنباتها.
وشدد على أن الأرض التي تتنفس من أعماقها تتحرك لتغيير معالم سطحها باستمرار، من أجل مورفولوجيا جديدة.
وهذا نص المقال:
اهتزازات فجائية تعتري القشرة الأرضية إثر ما يشهده باطن الأرض من حركة كتل صخرية ضخمة، من خلال تصدعات وتشققات ناتجة عن دفع قوي من طاقة حرارية متجمعة متراكمة في مكان محدد مناسب من عمق الأرض عبر فترات زمنية طويلة جدا. وهذه الطاقة المتجمعة تسمح بظهور قوة حركية هائلة، تكون بدايتها على شكل اضطرابات في مكان تأثيرها، حيث تأخذ الصخور بالتشوه في بنيتها وشكلها.
ومع تزايد هذه الطاقة المتجمعة وتزايد شدة تأثيرها، يزيد ما هناك من توتر واضطراب، لتظهر شقوق قبل أن تتجمع عبر أحزمة. بحيث في لحظة ضعف كبرى للصخور، وهو ما يعرف بـ”اللحظة الحرجة”، تنشق الكتل الصخرية، مع حدوث تصدع أو شق كبير يدفع الصدع باتجاهيين، حيث يرتفع الأول وينخفض الثاني، والعكس أيضا، خلال ثوان أو دقائق معدودة، ليمتد الصدع على عشرات الكيلومترات أفقيا وعموديا، مع طاقة مرافقة مدمرة فجائية تحدث عندما يزيد مقدارها عن سبع درجات على سلم رشتر.
تلكم هي ما يعرف بالزلزلة في علم الجيوفزياء، التي قال عنها تعالى في سورة الحج “إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد”.
ولعل حدوث الموجات الزلزالية يكون إثر ما يسجل من تحرك قوي لطاقة متجمعة في الصخور انطلاقا من البؤرة، وهو التحرك الذي تنتج عنه ارتجاجات، وبالتالي أضرار مادية وبشرية. وضمن هذه الموجات ما يعرف بـ”الطويلة” والأكثر سرعة، بحيث تستطيع عبور المجالات الغازية كالهواء، عندما تخرج من باطن الأرض باتجاه سطحها، محدثة دويا على شكل موجات صوتية. علما أن من هذه الموجات الزلزالية ما يكون سطحيا، فتنتشر على سطح القشرة الأرضية.
ولمعرفة وتتبع ما يحدث أثناء وقوع زلزال ما، تم مطلع القرن الماضي إحداث عدد من محطات الرصد السيزمي، وهي عبارة عن أجهزة استقبال حساسة جدا تسمح بمعرفة ما يحدث خلال الهزة الأرضية، بحيث يتم بواسطتها تسجيل اهتزاز الأرض عبر قلم وحبر على ورقة ملفوفة على أسطوانة لها حركة دورانية، مع أهمية الإشارة إلى أنه خلال العقود الأخيرة بدأ تسجيل هذه الحركة عبر التصوير الفوتوغرافي، وأيضا بالشريط المغناطيسي. وبناء على ما يتم تسجيله تتم معرفة خصوصية زلزال ما في أمكنة ما، من حيث موقعه وإحداثياته وشدته ودرجته.
وفي علاقة بالهزات الزلزالية، غير خاف عن باحثين ودارسين مؤرخين ما شهده زمن المغرب وما تذكره المصادر التاريخية منذ العصر الوسيط، فضلا عما يوجد حوله من إشارات في جملة تقارير ومذكرات ومراسلات رحالة وتجار وغيرهم من الأجانب خلال القرون الأخيرة.
هكذا يسجل أن البلاد عرفت حوالي أربعمائة حادثة زلزالية ما بين القرن التاسع الميلادي وأواخر القرن الماضي، ومنها ما كان بأثر وأضرار مادية كبيرة بعدد من المدن، من قبيل فاس ومليلية والحسيمة وأسفي وأكادير وغيرها، ومنها ما كان بأضرار مادية وبشرية، لكونها بلغت درجة شدة عالية، بل منها ما كان كارثيا من قبيل زلزال سنة ألف وستمائة وأربعة وعشرين بفاس، وزلزال سنة ألف وسبعمائة وخمسة وخمسين بـ”لشبونة”، الذي شمل مناطق شاسعة من المغرب، وخلف أضرارا كبيرة في جل مدنه، بل تسبب حتى في موجات بحرية (تسونامي) جرفت وأودت بكل ما صادفته في شواطئ البلاد من طنجة إلى أكادير وما بعدها من الربوع.
وإذا كان المغرب في مقدمة البلاد العربية من حيث تعرضه لهزات زلزالية منذ العصر الوسيط الى الآن، وقد كانت في سوادها الأعظم بأثر وضرر مادي وبشري كبير، منها زلزال 818م و1079م، و1276م، و1522م، و1531م، و1579م، و1624م، و1660م، و1792م، و1848م، و1909م، 1929م، و1960م، و1969م، و2004م، ثم ما عاشته البلاد يوم 8 شتنبر الجاري، فإن زلزال أكادير سنة ألف وتسعمائة وستين كان الأقوى إلى حد الآن، ذلك أن شدته كانت وراء نكبة كبرى حلت بالمدينة، التي دمرت في بضع ثوان وتحولت الى أنقاض وأكوام من تراب وحجارة، وأضحى عاليها سافلها ولقي الآلاف من أهاليها حتفهم.
وأورد شاهد عيان في وصفه لِما حدث: “عشنا بالأمس لحظات من لحظات القيامة، لقد خيل لنا أن الساعة قامت من شدة الهول. لم نشعر إلا والمدينة بأسرها تخر علينا بما فيها من بنايات وعمارات ومنازل، وانطفأ الضوء وجف الماء. وتناهت إلى سمعي صرخات تعلو وتعظم، وتسمع من بعيد الناس يستغيثون من كل جانب. وقد استولى الفزع والرعب على المدينة، وأنين الجرحى يتعالى والعويل والبكاء حتى أشرق الضياء”. مع أهمية الإشارة إلى أن زلزال أكادير دمر حوالي خمسة وسبعين بالمائة من بنايات المدينة، وأودى بحياة حوالي عشرين ألف شخص من ساكنتها مع آلاف الجرحى والمشردين، وهي الفاجعة التي تم على إثرها وضع محطة ثانية للرصد الزلزالي بالبلاد سنة ألف وتسعمائة وأربعة وستين.
هكذا هي الهزات الزلزالية، نتاج تفاعلات باطنية شاهدة على أن الأرض حية ودينامية وغير جامدة، وأن وضعها وطبيعتها ناجمان عما يوجد بها من طاقة حرارية ضخمة بين جنباتها، تلك التي تنفثت من حين لآخر بدرجات شدة متباينة على شكل براكين وزلازل. وهكذا هي الأرض التي تتنفس من أعماقها وتتحرك لتغيير معالم سطحها باستمرار، من أجل مورفولوجيا جديدة.
وهكذا هي زلازلها التي يميل أكثر العلماء للقول إن سبب آلية بعثها يكمن في إعادة توزيع وتبدل قيم ضغط مياه شقوق ومسام في أعماقها. زلازل هنا وهناك يسجل أن للنشاط البشري الاقتصادي دور في تهيئة أجواء ما بباطنها لحدوث هزات، نتيجة ما يصيب أجزاء القشرة الأرضية من حركات. مع أهمية الإشارة في هذا الإطار لِما لبناء سدود ضخمة واستخراج لمعادن بوتيرة عالية من دور في حدوث هزات أرضية بسبب ما هناك من تأثير على توازن القشرة الأرضية، ومن ثمة ظهور اختلالات في أمكنة هذه التوازنات. وهكذا هي زلازل الأرض موزعة بين حزامين رئيسيين مع أحزمة ثانوية، حزام أول محيط بشواطئ المحيط الهادي (حزام النار)، وحزام ثان يمتد بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي (نطاق البحر المتوسط) حيث المغرب، وما هناك من تماس.
المصدر: وكالات