منذ الهجوم الأخير الذي استهدف أحياء سكنية بمدينة السمارة في الأقاليم الجنوبية للمغرب وأودى بحياة شاب مغربي وجرح آخرين، اختار المغرب أن يجعل، وفق متتبعين، “من هذا العمل حادثة جنائية إرهابية وليس على أنها حادثة حرب كما تريد البوليساريو التي تبنت الهجوم”؛ فقد بدأ عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، مباشرة بعرض ما جرى داخل أروقة الهيئة الأممية سالفة الذكر لإحراج المنتظم الدولي، خصوصا بعد قرار مجلس الأمن الأخير.
وعلى الرغم من أن المغرب يواصل التحقيق في الحادث، فإن تبني “البوليساريو” للهجوم يبين أن التحرشات القديمة بالمغرب من لدن الجزائر صارت، حسب خبراء، “تتخذ وجها آخر صار يحاول العمل على الأرض وعلى الهجوم، لاستفزاز المغرب ودفعه إلى الرد. ويظهر أن المغرب لم يكن متسرعا، ويباشر التحقيق”؛ لكن هل سيرد المغرب عسكريا إذا بينت نتائج التحقيق المغربية والأممية أن “البوليساريو” هي من استهدفت أحياء سكنية بمدينة السمارة الخاضعة لسيادة المغرب بالقذائف؟
تقديرات منتظرة
عباس الوردي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “المغرب لا يستطيع أن يرد على ادعاءات جبهة “البوليساريو” بأنها تتبنى الهجمات التي حدثت على مستوى السمارة في الصحراء المغربية؛ لأن هناك تحقيقا يتم القيام به الآن”، مؤكدا أن “المغرب حين يتبين له صراحة تورط الجبهة الانفصالية في هذه الهجمات، فله التقدير والصلاحية ليتعامل بالصفة السيادية التي يتمتع بها؛ إما بالرد الحازم عسكريا، أو أن يغلب الشرعية الدولية”.
وأبرز الوردي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “البوليساريو” “لا تستطيع، عمليا، منذ إعلانها خرق اتفاق وقف إطلاق النار، القيام بأي إجراء هجومي مماثل بدون أي ضوء أخضر جزائري؛ ما يبين أن الجارة الشرقية مازالت تعيش على ذكريات حرب الرمال المرة، وهي تعرف الشيء الكثير عن المغرب”، مسجلا أن “النظام العسكري عازم بأي ثمن على توظيف “البوليساريو” لجر المنطقة إلى حرب شاملة تقود البلدين نحو المجهول”.
وذكر الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية أن “عمر هلال يواصل، الآن، فضح العمل الإرهابي على مستوى المنتظم الدولي؛ كمهاجمة المدنيين ووقف إطلاق النار.. وبالتالي المغرب يحرج بعثة المينورسو ويحرج مجلس الأمن”، موضحا أن “المغرب له القدرة على دك “البوليساريو”؛ لكنه يتبع سياسة ضبط النفس والرصانة والتأكيد على العملية السياسية، على أساس بوابة القانون الدولي العام”، واستدرك قائلا: “لكن حين يبدو أن “البوليساريو” تمادت في أعمالها الانتحارية، فستكون للمغرب تقديراته في نزع فتيل هذه الأزمات”.
الخيار العسكري
محمد أكضيض، خبير في الشأن العسكري، اعتبر أن “الجزائر صارت تبلغ مرحلة قصوى من التصعيد في حربها الباردة تجاه المغرب، حيث صارت تخطط عبر أداة البوليساريو لنقل هذه الحرب إلى الميدان؛ وهو ما تبين في أحداث السمارة”، موضحا أن “المغرب لديه جيش منظم وقادر على الدخول في حرب مع الجزائر؛ لكنه يتفاداها حفظا للسلام وخدمة لقضايا الجوار. لذلك، المغرب سيتجه بكل السبل إلى العمل السياسي والدبلوماسي ليحصل على كل ما يمكن أن يعطي صفة فصيل إرهابي”.
وشدد أكضيض، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب دبلوماسي ويريد أن يحاصر الجزائر باعتبارها دولة تحتضن كيانا إرهابيا يشن هجمات على المدنيين”، مؤكدا أن “المملكة يمكن بقرار سيادي أن تتحرك عسكريا كلما مس الأمر بسيادتها وبأراضيها، خصوصا بعدما صار الحلم الجزائري بالحصول على واجهة متوسطية طموحا صعب المنال بعد الخطاب الأخير للملك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء”، وزاد: “درجة الاحتقان بلغت مستوى عاليا جدا في العقل الشمولي لدى النخب العسكرية الجزائرية”.
وسجل الخبير الأمني أن “المغرب لديه، كما هو معروف، أحدث التقنيات العسكرية المتطورة؛ لكنه بلد عريق لا يراهن على الحرب بقدر ما يراهن على التنمية، فهو دولة صاعدة بأحلام ورهانات وأوراش تريد تحقيقها ولا يمكن أن تتصرف بانفعال مثل الجزائر”، مبرزا أن “هجمات السمارة تنتظر تحقيقات الجهات المغربية ونظيرتها الأممية، والمغرب وحده بعدها يستطيع أن يختار أي سبيل سيسلكه، الرد العسكري أو الرد السياسي؛ لكنه مبدئيا لن يمر دون عقاب”.
المصدر: وكالات